يهلّ علينا شهر رمضان المبارك، هذا العام، ونحن في مصر نواجه تحديات كبرى، من أهمها "تحدٍ وجودي" يتعلق بسد النهضة الإثيوبي الذي يهدد أمن مصر المائي بصورة غير مسبوقة تاريخيًا، فضلا عن تحدي وباء كورونا المستمر منذ أكثر من عام. ومن واقع الأجواء الإيمانية للشهر الفضيل، نستمسك بالأمل في عون الله، وفي صلابة الشعب المصري الذي قدّم طوال تاريخه دروسا عظيمة في الصبر والتحمل ومواجهة التحديات. وإذا كان الشهر الكريم يأتي معه بنفحاته الروحانية، فإنه أيضًا يحمل سجلا ناصعًا من انتصارات الأمة العربية والإسلامية، فهو الشهر الذي جرت فيه أولى المعارك الإسلامية الكبرى.. غزوة بدر.. وفي اليوم السابع عشر منه بالسنة الثانية للهجرة (عام 624م) حين هزم الرسولُ الكريم- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كفارَ قريش الذين بغوا في الأرض ونشروا فيها الفساد. وفي العشرين من رمضان بالسنة الثامنة للهجرة (عام 630م)، كان فتح مكة ودخول النبي وأصحابه إلى البلد الحرام إيذانا بزوال "دولة الكفر" وبزوغ شمس "دولة الإيمان" والسيطرة على كافة أرجاء الجزيرة العربية، ومن ثم الانطلاق لنشر كلمة الله في كافة أرجاء الأرض. أما في 28 رمضان من عام 92 ه (711م)، فكانت جيوش المسلمين بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير تقرع أبواب أوروبا بفتح الأندلس (إسبانيا والبرتغال)، وإقامة دولة كبرى لمدة 8 قرون ما زالت تباهي العالم بإنجازاتها وآثارها الرائعة. وفي رمضان من عام 223 ه (838م)، قام الخليفة العباسي المعتصم بنفسه بفتح عمورية.. أمنع المدن الحصينة لدى الروم.. بعد أن استنجدت به امرأة بقولتها المشهورة: "وامعتصماه". وقد وثّق أبو تمام ذلك الفتح العظيم بقصيدة شهيرة، ومما جاء بها: (فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ// نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ.. .فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ// وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ). أما في 25 رمضان من عام 658 ه (1260م)، فقد كان جيش مصر بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز على موعد مع التاريخ في معركة عين جالوت حين استطاع دحر المغول الذين دمروا الأخضر واليابس وحرقوا بغداد دولة الخلافة العباسية، ودخلوا إلى الشام، وبذلك تم القضاء على هؤلاء البرابرة بلا رجعة. وأخيرا وفي 10 رمضان من عام 1393ه ( 1973م)، كان نصر أكتوبر المجيد حين لقّن الجيش المصري- مستعينًا بصيحة "الله أكبر"- أعداءنا الصهاينة درسا عسكريا حطم به أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر" في دلالة على أن المصريين دائما ما يصنعون التاريخ، لا سيما في شهر رمضان المبارك، فهل يتعظ ذلك القابع على نهر النيل؟!!.