حسمت المملكة العربية السعودية موقفها بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل عندما أكدت أنها ملتزمة بالسلام على أساس مبادرة السلام العربية التى كان عاهل المملكة الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد أعلنها فى عام 2002 للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين والهادفة إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وعودة اللاجئين، والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وهى المبادرة التى تم الإعلان عنها فى القمة العربية التى عقدت فى بيروت ونالت تأييدا عربيا، يومها أكد الملك عبدالله على ما أقره مؤتمر القمة العربية بالقاهرة 1996 من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجى للدول العربية يتحقق فى ظل الشرعية الدولية ويستوجب التزامًا من إسرائيل. واليوم يحمد للسعودية أنها أعادت تسليط الأضواء من جديد على مبادرة السلام لعام 2002 بما ترتكز عليه من مبدأ (الأرض مقابل السلام)، وقبول إسرائيل لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدسالشرقية وذلك مقابل قيام الدول العربية بإقامة علاقات طبيعية فى إطار سلام شامل مع إسرائيل؛ أى أنه يكون لزامًا على إسرائيل إذا أرادت السلام والتطبيع مع الدول العربية أن تلتزم بما أقرته مبادرة السلام العربية التى أعلن عنها فى 2002. كما أن المملكة السعودية بالتصريحات التى أدلى بها مؤخرًا وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان قد حسمت موقفها بالنسبة للتطبيع، وقطعت الطريق على ما قاله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من أنه على يقين وعلى قناعة بأن المملكة العربية السعودية ستسارع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبذلك تكون السعودية بالموقف الذى اتخذته مؤخرا قد أعادت الحياة إلى المبادرة العربية للسلام كأساس للتحرك. وهو ما يعنى أنها ليست بوارد التطبيع المجانى مع إسرائيل، وأن التطبيع مرتبط بتنفيذ ما جاء فى مبادرة 2002، وهو ما يعنى أن يكون التطبيع على أساس الأرض مقابل السلام وليس السلام مقابل السلام. وهكذا تظل المملكة حريصة على أن تقرن التطبيع بالتزام إسرائيل بمضمون مبادرة السلام العربية لعام 2002. إنه عود أحمد سجلته المملكة وسط أجواء المنطقة المشحونة بالتوتر والارتباك وعدم الوضوح. وبذلك تكون المملكة قد عمدت إلى وضع النقاط على الحروف وإصلاح المبتور عبر مبادرة عاهل السعودية الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتى تركز فى الأساس على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. حتى إذا تم ذلك وعادت الأمور إلى نصابها أمكن عندئذ الاعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. أما نيتنياهو فلم يقدم حتى الآن ما يثبت نية إسرائيل فى إحداث تغيير طفرى على صعيد القضية الفلسطينية بحيث يجرى تطبيق ما اشتملت عليه مبادرة السلام العربية. ولهذا رأت السعودية وجوب التمهل فى الأمر انتظارا لالتزام إسرائيل بما جاء فى المبادرة المذكورة، وبذلك تكون االمملكة قد نأت بنفسها بعيدا عن تبعات التطبيع المجانى. واليوم رأينا المملكة وقد وجهت صفعة نجلاء لإسرائيل التى حلمت بأن تصبح دولة الأمر الواقع، وأن تسعى الدول العربية نحوها لعقد صفقات التطبيع المجانى معها دون النظر إلى المشهد السياسى الراهن على أرض الواقع ويتصدره سلوك إسرائيل العدوانى واستمرارها فى احتلال الأراضى العربية، وفى تكثيف الاستيطان وقضم الأراضى ومصادرة الحقوق الفلسطينية. إنها إسرائيل التى راهنت على أنها أصبحت دولة الأمر الواقع، وأن تحقيق السلام معها بات ضرورة ملحة ستتكالب الدول العربية عليه، وأنها استطاعت أن تحوِّل معادلة الأرض مقابل السلام إلى معادلة السلام مقابل السلام ليتم ذلك تحت دعوى مغلوطة عبر عنها نيتنياهو عندما قال: (إن قوة إسرائيل الاقتصادية والسياسية هى التى غيرت المعادلة المذكورة). ووسط التطورات غاب عن إسرائيل أن السلام لابد أن يقوم على أسس واضحة حتى يكون التطبيع دائمًا ومستمرًا ومقنعًا للشعوب. واليوم جاءت المملكة العربية السعودية لتتوِّج هذا المبدأ على أرض الواقع..