مئات المرضى يُصارعون الموت في معركة "كورونا" حامية الوطيس .. يبحثون عن نسمات من الهواء تشق طريقها إلى الصدر المزدحم بالفيروسات المتكالبة على جسد متهالك .. يغالبون اﻵلام ويتعلقون بالبقية الباقية من أحلام الشفاء وأمنيات البقاء وآمال العودة إلى الأهل والأحباب .. وفي خنادق المواجهة جنود وقادة من الأطقم الطبية يواصلون الليل بالنهار في معارك الدفاع والهجوم والكر والفر ، يشعلون شموع الحياة ويزرعون الأمل بارعين في أداء الواجب دون كلل أو ملل. وعلى هامش الصورة وفي خنادق الدفاع والهجوم يُطل برأسه من يعطي ظهره للمرضى ويتركهم فريسة للفيروس القاتل ويجلس أمام شاشات الهاتف ليخوض معركة من نوع آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي .. منهم من تفرغ لكتابة منشورات مسمومة لتحريض الأطباء على تقديم استقالات جماعية وظل يواصل الليل بالنهار لترويج سمومه والرد على تعليقات المعارضين وتسجيل الإعجاب بالداعمين المؤيدين .. ومنهم من يرتدي ملابسه الأنيقة المناسبة ويتفرغ لالتقاط صورة مع بضع وريقات تحمل شعارات براقة لا تنقذ مريضًا ولا تحمي طبيبًا ولا تجدي نفعًا .. وفي الهامش من يعطي ظهره للواجب ويتفرغ لإجراء الاتصالات الداعية إلى التخلي عن المرضى والتركيز بكل اهتمام في تنظيم احتجاجات تصاعدية تنتهي إلى إصابة المستشفيات الحكومية بحالة من الشلل التام. لن أتحدث عن "الإخوان" ولا حلفاء "الإخوان" ولن أكتب عن الخلايا النائمة أوالقائمة .. فقط أتنقل معكم بين سطور الدكتورة "منى مينا" الوكيل السابق لنقابة أطباء مصر، ومن سار على نهجها من أصحاب منشورات التحريض على الانسحاب من معركة "كورونا" المُستجد. مساء الإثنين الخامس والعشرين من مايو 2020 ، كتبت الدكتورة منى مينا، مجموعة من الرسائل الموجهة إلى عموم الأطباء تدعو للمشاركة في الخطوات الاحتجاجية المتدرجة التي تبدأ بمظاهرة إلكترونية (يخرج فيها الأطباء من خندق المعركة) ويجلسون أمام كاميرات الهاتف من الساعة الثامنة إلى العاشرة مساءً لالتقاط مجموعة من الصور مع لافتات احتجاجية تحمل ما قالت إنه مطالب الأطباء العاجلة من مؤسسات الدولة المصرية. وخلال أقل من عشر ساعات تفاعل مع "منى مينا"، مئات الأطباء الذين تركوا أعمالهم وتفرغوا للتعليق على منشوراتها تأييدًا ومعارضة ومناقشة، وأسرع آخرون منهم إلى الترويج عبر حساباتهم وصفحاتهم.. وليذهب المرضى إلى جحيم "كورونا". طالبت "منى مينا" الأطباء بالجلوس أمام وسائل التواصل الاجتماعي والتفرغ لترويج صور المظاهرة الإلكترونية، وفي المرحلة التالية تسجيل فيديوهات قصيرة بدعوى التوعية مع استغلالها في شرح ما قالت إنه "مشاكل الأطباء" ، ومراسلة الكتاب وأصحاب الأقلام والشخصيات العامة والقيادات النقابية ومن تأمل في التعاون معها من أعضاء مجلس النواب، وذكرت "منى مينا" أنه في مرحلة تالية يتم الإعداد لوقفات احتجاجية في النقابة العامة أو المستشفيات بعد انتهاء أيام العيد، كما طالبت بانضمام متطوعين للمشاركة في هذه الأعمال الاحتجاجية ، وتركت الباب مفتوحًا أمام (أي متطوعين) .. وفي كل هذه الاحتجاجات لا حديث عن المرضى وليترك الأطباء مواقعهم في خنادق المواجهة.. وليذهب المرضى إلى جحيم "كورونا". وسار على نهج "منى مينا" العشرات من الأطباء (لدينا أسماء بعضهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي)، وزاد دعاة الفوضى والتخريب في أفكارهم الاحتجاجية بالدعوة الصريحة إلى الامتناع عن العمل ليوم واحد، ثم الإضراب الشامل المفتوح، والتواصل مع الأطباء لتقديم استقالات جماعية تؤدي إلى إصابة مستشفيات مصر بالشلل التام .. وليذهب المرضى إلى جحيم "كورونا". كان المطلب الأول في صور المظاهرة الإلكترونية الهزلية هو "مستشفى لعزل الأطقم الطبية"، ولم تذكر المتظاهرة "مني مينا" ومن سار على نهجها من دعاة الاحتجاج، أن وزارة الصحة أعلنت قبل يوم من دعاوى الخيانة والانسحاب من المعركة، عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخصيص مستشفى لعزل الأطقم الطبية المصابة بفيروس "كورونا" ، وجناح للأطباء وأسرهم في مستشفيات العزل بالمحافظات، كما أعلنت الوحدة المركزية لشئون مقدمي الخدمة الطبية، التابعة لوزارة الصحة تخصيص رقم الواتساب (01204854721 ) لاستقبال رسائل الفرق الطبية للإبلاغ الفوري عن إصاباتهم بفيروس "كورونا" المستجد ، وأكدت وزارة الصحة أنه يجري تطبيق البروتوكول المُحدث لعلاج الأطقم الطبية ، وتوفير كافة وسائل الحماية والوقاية اللازمة لسلامتهم. وتجاهلت "منى مينا" ومن سار على نهجها من أصحاب المنشورات التحريضية أن عددًا من الجامعات أعلنت قبل شهر عن تخصيص مستشفيات وأجنحة كاملة للمصابين من أعضاء هيئات التدريس والعاملين بها وبينهم أعضاء هيئات التدريس في كليات الطب ومعهم العاملين في المستشفيات الجامعية، وبالفعل تم علاج أعداد من الأطباء والعاملين وأسرهم وخرجوا من المستشفيات في صحة وعافية. أما عن وفاة الدكتور وليد يحيى عبدالحليم، الذي توفي إثر إصابته بفيروس "كورونا" بمستشفي المنيرة العام بالقاهرة فقد كشفت مصادر مطلعة أن التحقيق الذى فتحته وزارة الصحة، فى واقعة الوفاة جاء بناءً على تكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسى للدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، وذكرت المصادر أن الرئيس السيسى يتابع نتائج هذا التحقيق وما سيتوصل إليه من نتائج، وأصدر توجيهاته بتنفيذ اقصى درجات الرعاية الصحية والسلامة لجميع أعضاء الاطقم الطبية المشاركين فى مكافحة فيروس "كورونا" ، وكانت توجيهات الرئيس صريحة بإطلاق أسماء الأطباء الذين ضحوا بحياتهم في مواجهة انتشار فيروس "كورونا" المستجد، بجانب أسماء القضاة وضباط الشرطة والجيش من الشهداء على شوارع المدن الجديدة في مصر. وختامًا نؤكد أننا ندعم حق الأطباء في المطالبة بتوفير كل وسائل الأمان والسلامة لهم ولعائلاتهم، كما نطالب بالمحاسبة العاجلة لمن يثبت أنه لم يقم بأداء واجبه في حماية الفرق الطبية، وفي نفس الوقت نطالب بالتحقيق مع الأطباء أصحاب منشورات التحريض على الامتناع عن العمل، لأن الانسحاب من معركة "كورونا" ولو كان لدقائق، قتل متعمد للمصابين بالفيروس ، وخيانة عظمى.