سنوات طويلة مضت، تعرضنا فيها لعمليات «غسيل مخ» - وللأسف - نجحت إلى حد كبير فى تزييف وعى الكثيرين؛ فأبطال سيناء الذين قاوموا الاحتلال الصهيونى، وكتبوا بدمائهم أنصع صفحات تاريخنا، أصبحوا فى مخيلة البعض مجرد عملاء، أو تجار سلاح ومخدرات!. لقد أعاد مسلسل «الاختيار» - عبر أحداثه وتفاصيله - الاعتبار لأهالى سيناء الشرفاء، ليدرك «من فى قلبه شك» أن سيناء، رغم ما تعرضت له من إهمال وتشويه، تقف اليوم - كما وقفت دائمًا - صامدة كجبالها، عفية كصخورها، رائعة كتاريخها، تقاوم شذاذ الآفاق والتكفيريين والمرتزقة، تقف وخلفها مصر كلها لتذود عن تراب الوطن. لقد أشار «الاختيار» عَرَضًا إلى «مؤتمر الحسنة»، ليتجدد السؤال: لماذا توقف الاحتفال بهذا اليوم المشهود؟.. ولماذا لا يكون الاحتفال به ضمن احتفالات نصر أكتوبر العظيم؟، خاصة أن تفاصيله دارت فى هذا الشهر الذى شهد أعظم انتصارات مصر فى التاريخ الحديث؛ ليعرف «المغيبون» دور أهالى سيناء فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى، والصفعة التى وجهها أبناء هذه البقعة المقدسة إلى العدو الصهيونى. ففى أكتوبر 1968 استدعت قوات الاحتلال شيوخ وعواقل قبائل سيناء، وساومتهم على إعلان الانفصال عن مصر، مستخدمة الضغوط والتهديدات تارة والعروض والمغريات تارة أخرى. وحدد الكيان الصهيونى يوم 31 أكتوبر لعقد مؤتمر دولى، يعلن فيه عواقل القبائل الانفصال، واختاروا «الحسنة» بوسط سيناء لهذا الحدث الكبير، ووعدوا الشيخ سالم الهرش، كبير قبيلة البياضية، وصاحب الشعبية الكبيرة بين القبائل بتولى إمارة سيناء فى حال إعلان الانفصال، وهددوه فى حال رفضه بقتل أسرته بالكامل والتنكيل به. وفى اليوم الموعود وجهت دولة الكيان الصهيونى الدعوة لوكالات الأنباء العالمية، لحضور مؤتمر صحفى يعلن فيه وزير دفاع العدو موشيه ديان، عن مفاجأة مدوية ستغير خريطة الشرق الأوسط إلى الأبد؛ فقد سايرهم الشيخ سالم الهرش ووعدهم بتنفيذ مطالبهم، بعد أن رتب الأمر مع المخابرات الحربية المصرية. توافد كبار القادة الصهاينة وفى مقدمتهم «جولدا مائير» على «الحسنة» يرافقهم الصحفيون والإعلاميون، وبدأ المؤتمر وسط اهتمام إعلامى، وترقب للمفاجأة التى طنطنت بها إسرائيل طويلا. تحدث شيوخ وعواقل القبائل، ثم فوضوا الشيخ سالم الهرش للتحدث باسمهم.. فانتظر الصهاينة أن يعلن الرجل رغبة أهالى سيناء فى الانفصال عن مصر وتدويل قضيتها. وقف الرجل شامخًا شموخ الدهر، يلقن العدو درسًا لن ينساه، مخاطبًا المجتمع الدولى قائلا: «إن باطن الأرض أولى بنا من ظاهرها، لو قلنا إن سيناء غير مصرية، سيناء مصرية وستبقى مصرية، نحن مصريون ولن نقبل أن نكون غير مصريين، ولابد لهذا الاحتلال أن ينتهى، نرفض التدويل، وأمر سيناء سيظل فى يد مصر، نحن لا نملك فيها شبرًا واحدًا يمكننا التفريط فيه.. سيناء بنت القائد والزعيم جمال عبد الناصر». وراح يردد «سيناء بنت عبد الناصر»، حتى ضجت القاعة بالهتاف: «الله أكبر.. الله أكبر». حاول الحاكم العسكرى الصهيونى أن ينقذ الموقف فأمسك بالميكروفون قائلا: «غير الموافق على رأى الشيخ سالم يرفع يده»، فعلت القاعة بالهتاف باسم مصر وردد الجميع: «الله أكبر»، حتى انفضَّ المؤتمر وفشل المخطط الصهيونى، لتنتصر سيناء لمصر والعرب؛ ولتبقى - كعادتها - خط الدفاع الأول عن الوطن، والدرة الغالية فى جبين مصر.