مازالت فى مخيلتى صور من أيام طفولتى، كانت أمى – الله يمنحها الصحة– حريصة على اصطحابنا فى نزهة أسبوعية لتعريفنا بأجمل مزارات الإسكندرية، ومنها منطقة النزهة أو (جنينة النزهة)، التى تضم حدائق الحيوان، الورد، وأنطونيادس. ويرجع تاريخها للعصر البطلمي، وكانت تقع وقتئذ فى ضاحية إيلوزيس (جنات النعيم)، ثم عُرفت فى القرن 19 باسم حدائق باستيريه وهو اسم مالكها اليوناني، ثم آلت ملكيتها للأسرة العلوية، وفى عهد الخديو إسماعيل ومع انتقال ملكيتها لليونانى أنطونيادس كلف الفرنسى بول ريشار بإعادة تصميمها على غرار حدائق قصر فرساي، وعرفت منذ ذلك الوقت باسم مالكها الذى أوصى بإهدائها للمدينة بعد موته لتصبح ملكا للإسكندرية. وتشغل حديقة أنطونيادس حوالى 50 فدانا، وتضم قصرا، ومجموعة من التماثيل الرخامية النادرة مثل تمثال فينوس الإغريقية (أفروديت الرومانية) إله الحب والجمال، فاسكو دى جاما، ماجلان، كريستوفر كولمبس، وغيرهم، وتتميز بالأشجار والزهور النادرة وبعضها فى صوبات زجاجية، كما تشمل مسرحا، بحيرة للبجع، وكشكًا للموسيقى. أما حديقة الورد التى صممها الفرنسى ديشون فتبلغ مساحتها حوالى 5 أفدنة، وتتسم بالتصميم المميز للنافورات والتماثيل الرخامية، بالإضافة إلى أنواع نادرة أيضا من النباتات والزهور. وتشغل حديقة الحيوان حوالى 25 فدانا، وقد أنشئت فى منتصف القرن العشرين تقريبًا، وتُعد ثانى حديقة حيوان فى إفريقيا، بعد حديقة الحيوان بالجيزة. وقد ظلت تلك الحدائق ببوابتها الملكية ذات الأسدين متنزها جميلا ورخيصًا للسكندريين وضيوف المدينة، خاصة مع تزويدها بمدينة ملاهٍ صغيرة، وإقامة الحفلات المنتظمة على مسرحها، لكن يد الإهمال امتدت إليها، فساءت حالتها، وانقطعت حفلاتها، وبالرغم من مشروع تطوير المنطقة الذى أعلنته مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مجموعة أوناسيس اليونانية(2005) لترميم القصر لما يمثله من قيمة تراثية وثقافية لكل من مصر واليونان، وإنشاء متحف وقاعة مؤتمرات، وتجديد المسرح، وصيانة الحدائق، إلا أنه لم يسفر عن شىء ملموس!! ثم تناثرت الأقاويل عن طرحها للاستثمار، مما أثار قلق السكندريين خوفا من بيعها وضياع جزء هام من التاريخ بحجة التطوير. وحتى الآن، ومع بدء مشروع محور المحمودية لا يعلم أحد مصير حدائق النزهة التاريخية، وإلى متى ستعانى الإهمال؟!