في ظل حرية الرأي التي نتمتع بها الآن بعد أن منحتنا إياها ثورة 25 يناير العظيمة، ووهبتنا إياها أرواح شهدائنا الأبرار, من المفترض أن تثري المتناقضات والمتضادات والاختلافات، وتنقل المجتمع من خانة التجانس والتضييق والتعتيم إلي خانة التجديد والتحرير والتعبير في مجتمع مملوء بالثقافات والمعتقدات والآراء والأفكار، وفي ظل هذه الحرية، تجد هناك من يتدثرون برداء النرجسية ويشعرون بأن الأرض ليس عليها سواهم، لأنهم واهمون، بل نسوا أن شرعية الثورة والميدان تنمو في ضمير كل مصري، وفي وجدان كل وطني وفي دم كل ثوري وفي قلب كل عربي يريد أن يملك الحرية والكرامة والإنسانية, كي يطمئن قلبه بأن أحدا لن يزوره فجرًا ويعتقله غدرًا ويعذبه فخرا ويقتله سرا ويرميه برا... ويضمن أنهم لن يجرحوا كرامته أو يقيدوا حريته أو يكسروا شخصيته أو يذبحوا إنسانيته أو يعدموا عقيدته. يسخر من يقول أن الملايين الذين تكدسوا واحتشدوا وعادوا إلي ميدان التحرير والشوارع المؤدية له وجميع ميادين مصر عادوا إليها من فراغ، ولكنهم عادوا إليها لاستمرار الثورة, واستكمال أهداف الثورة, فالثوار يريدون القول إن الزخم الثوري يسترد أحلام الثوار وطموحات الشباب وآمال الشعب, حيويته التي فقدها في خضم الحوادث المؤلمة والصراخات الصاخبة, في الشهور الأولي من حكم مرسي، الذي اتهمه البعض بأنه مصدر شقاء المجتمع وسبب العجز الأمني وتردي الأداء القومي للاقتصاد المصري, بينما يري آخرون أن السبب الرئيس للتسيب الأمني هو تلك الأجهزة الأمنية الموروثة عن نظام عقيم سقيم عليل, رفض أن يكون طرفاً في بناء وإثراء مصر الجديدة، وتفرح كلما وقعت كارثة أمنية أو فوضي عبثية أو خطة سرية أو مجزرة علنية لتقول: هذا ما جاءت به ثورتكم! إن التردي الاقتصادي والتدني الاجتماعي والتعدي السياسي لم يكن إلا نتيجة لفساد استفحل في أحضان نظام فاسد لايزال يمسك بمفاصل الدولة، بالإضافة إلي فشل الرئيس المنتخب مرسي في معالجة أو بدء معالجة هذا الفساد, ولم يطالب بل يجرؤ أن يطالب باستئصال هذا العوار سوي الثوار بعد أن تساءل الناس وألحوا في السؤال عن الانفلات الأمني وأسباب غياب الأمن واختفاء محاكمات عادلة لرموز نظام غير عادل وتطهير الحياة السياسية ممن أفسدوها وآليات وضع الدستور والرئيس وحق الشهداء وإهانة وتعذيب المصريين وغيرها الكثير, ولكن الإجابات لم تأت وما جاء منها جاء غامضا وغير مفهوم وفي حاجة لرموز فك الشفرات, وأسرار فك الرموز لا توجد إلا لدي الإخوان. والجميع يطرحون في كل يوم عشرات التساؤلات التي لايستطيع الإجابة عنها سوي حكومة آثرت الصمت وكأن الأمر لا يعنيها, إن كانت تستطيع الإجابة عنها أصلا, فلابد أن يفهم القائمون علي البلاد في الأنظمة القديمة والحديثة أن أبرز ما حققته وقدمته وأنجزته ثورة يناير, هو شجاعتنا التي مكنتنا بأيدينا العارية من تحطيم حواجز الخوف. عادت صيحات التحرير لتطالب بجوهر حاجات الشعب الذي لم يختلف يوما علي هوية ولم يتقاتل يوما علي مذهب ولكن يقاتل بسلمية علي حرية, حريته التي انتزعوها انتزاعا, عاد التحرير ليُعلن عن نفسه يمنح الشرعية والمشروعية ليقول لمن حاول الترويج بأن شرعية الميدان قد انتهت، وأن شرعيات أخري قد بدأت، متناسين أو متجاهلين حقيقة أن كل ما نبنيه أو نجنيه هو بفضل الميدان وشهدائه ومصابيه، فدماؤهم الطاهرة هي التي وهبتنا الحياة،.. وإصاباتهم العائقة.. هي التي وهبتنا الصحة.. وعيونهم المفقودة هي التي وهبتنا البصيرة,.. وجروحهم المسيلة هي التي وهبتنا الشفاء,.. وآلامهم العميقة هي التي وهبتا القوة,.. وخوفهم المرير هو الذي وهبنا الأمان,.. وهذا الأمان هو الذي حررنا من الظلم والطغيان, هذا الأمان هو الذي سيعيد تأسيس جمهوريتنا من السقطات التي أهدرت فيها الحريات وضاعت فيها الكرامات, ومن هنا أوجه رسالة لكثير من الناس وعلي رأسهم أولئك الذين تنكروا لثقافة الشعب وحقوقه أو التلاعب بأهداف ثورته، رسالة للمحاكمات الصورية والتحقيقات الشكلية والمداولات الروتينية والمحادثات العبثية, رسالة لأولئك الذين استعملوا فزاعة الأمن والاقتصاد ليقدم الشعب اللعنة للثوار ويكفر بثورته ويستدعي النظام القديم, ويقدم الندم علي سقوطه، ورسالة لأولئك الذي يصدعون رؤوسنا بحديثهم الممل عن حدود الحرية وقيودها أقول لهم: عودة الثوار إلي الميدان رصاصة قوية, لكل من لا يؤمن بالثورة كرسالة لأولئك الذين يرفضون النهضة يرفضون التوافق والنصر وعصر جيل جديد، عاد الثوار بالثورة, ما بين مئذنة المسجد وأجراس الكنيسة وجدران متحف القاهرة وأبواب مجمع التحرير وأعمدة الجامعة الأمريكية لتبشر وتؤكد ثبات واستمرار الثورة حتي تحقق أهدافها كاملة غير منقوصة وسوف لا يتراجع الثوار, أقول لهم: لا بد أن نعود جميعا يدًا واحدة وأن نعود إلي شرعية واحدة, في مكان واحد وفكر واحد وصف واحد, كما كنا في الثمانية عشر يوما الأولي من الثورة. لذا أطلب من الجميع أن نقف دائما وقفة رجل واحد وشعب واحد لإعادة بناء مصر الموحدة وأن نتجاوز عن كل المسائل التي أدت إلي التردد الحالي، والتوتر الساري، والصدام العاري، لا بد أن نقف وقفة صادقة خالصة لوجه الله تعالي ولوجه الوطن, مصر سوف تنجح إن شاء الله. الشجاعة ليست أبدا هي الفضيلة الوحيدة ولكنها الفضيلة الوحيدة التي تجعل الفضائل الاخري ممكنة, لذا أصبح شباب الثورة وشعب مصر جميعا علي يقين من أن سعادته في حريته وسر حريته يكمن في شجاعته, هذه الكوكبة من جيل شباب مصر تتتطلب خطابا سياسيا مختلفا, خطابًا شفافًا مركزًا مرتكزًا علي الحقائق و الفكر العالي والفضيلة والمنطق السديد, ولذلك وجب علينا إدراك الخطر الحقيقي الذي يهدد الثورة والأمن والاقتصاد وهو الوعود السياسية والتصريحات الكلامية والإنجازات الوهمية التي لاتتحقق وها نحن نري محاكمة المخلوع وأتباعه وكأنها تمهد لبراءة أكابر مجرميها، وها نحن نعود للوصاية والتدخل لتحجيم الإعلام الحكومي–إعلام الدولة – إعلام الشعب, المرئي والمسموع والمقروء، وأيضا نشهد التعذيب علي يد ضباط الداخلية وحمادة والجندي وكرستي, وغيرهم الكثير, وها نحن نتعثر في طريقنا للتطهير بل نرتد بسرعة خاطفة للوراء إلي درجة يمكن معها أن نشم رائحة الفساد القديم, هاهي مظاهر كثيرة كانت تدعونا للقلق علي مستقبل الثورة وتجعلنا دائمًا نتساءل: هل بدأت عقارب الساعة تعود إلي الوراء؟ هذه مخاوف مشروعة لكننا لا نريد لهذه المخاوف أن توقف أحلامنا أو تكسر طاقتنا وثقتنا في انتصار إرادتنا، لذا وجب التأكيد علي مبادئ وأهداف الثورة لاستمرار الثورة, واستمرار الضغط الثوري السلمي المسئول؛ لأن الشك وفقدان الثقة هما أكثر ما دفع الثوار للعودة إلي ميدان التحرير الذي أصبح قبلتنا الثورية والسياسية بحثا عن بصيص أمل أو شعاع ضوء في نفق مظلم طويل ظل أكثر من سنتين بعد أن قمنا بثورتنا. المسئولون في مصر وعلي رأسهم رئيس الجمهورية محمد مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل والوزراء, بحاجة إلي خطاب سياسي إعلامي جديد يلائم المرحلة الراهنة ويلبي احتياجات شعب أصبح بالثورة مختلفا عما قبلها, وليس ضروريا أن يتولي المسئولون بأنفسهم مهمة الحوار مع المجتمع فقليل منهم يجيد ذلك, عليهم ان يبحثوا فيمن يستطيع الشرح والتحليل والتفسير والرد علي الاتهامات بالحقائق والمنطق الصحيح حتي لا تظل الساحة خالية أمام حفنة من الشخصيات كل همهم القفز إلي مقاعد الحكم, بالحق حينا وبالباطل أحيانا. المستشار والمتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي [email protected]