«رؤية 2030» نقلت المملكة من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجية والتنافسية العالمية كعادته، كان صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع السعودي، واضحًا وحاسمًا فى آرائه ومواقفه التى لطالما اتسمت بكونها «واحدة».. سرًا وعلانيةً..وذلك خلال حواره الأخير مع صحيفة «الشرق الأوسط»، وهو الحوار الذى أعلن فيه سموه عن مواقفه بكل شفافية بما لا يقبل التأويل أو الجدل.. وهو الأمر الذى سنفصله فى السطور القادمة. ابتداءً.. أتى هذا الحوار فى وقته تمامًا إذ تمر منطقة الخليج فى الآونة الأخيرة بمرحلة دقيقة ربما تكون الأخطر خلال العقود الماضية، ومن أبرز ملامحها ذلك الخطر الداهم على أمن المنطقة بفعل التحركات والاستفزازات الإيرانية المتوالية الداعمة للإرهاب المتمثل فى ميليشيات الحوثي، والتى ارتكبت مؤخرًا مجموعة من العمليات الإرهابية عبر استخدام الطائرات المسيّرة (الدرونز) بأراضى المملكة العربية السعودية بالهجوم على مطار أبها، وما صاحبها من ترويع للمدنيين، فضلًا عن العمليات التى سبقتها بالإعتداء على محطتين لضخ النفط داخل المملكة، وكذلك القيام بأعمال تخريبية طالت السفن التجارية فى المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهى العمليات التى عجلت بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لعقد القمتين الطارئتين: الخليجية، والعربية- إضافةً إلى القمة الإسلامية العادية- بمكة المكرمة بأواخر شهر رمضان المنقضى (30-31 مايو الماضي). موقف حازم بصورة عامة، يمكن القول إن حوار سمو ولى العهد قد اشتمل على شقين: سياسي، واقتصادي.. ولنبدأ بالسياسى إذ أكد سموه على أن المملكة لا تريد حربًا فى المنطقة، غير أنه شدد على أنها « لن تتردد فى التعامل مع أى تهديد لشعبنا وسيادتنا ومصالحنا الحيوية»، معلنًا أن المملكة أيدت إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، إيمانًا منا بضرورة اتخاذ المجتمع الدولى موقفًا حازمًا تجاه إيران، معربًا عن أمله فى أن يختار النظام الإيرانى أن يكون دولة طبيعية وأن يتوقف عن نهجه العدائي. كما شدد الأمير محمد بن سلمان على أن يد المملكة دائمًا ممدودة للسلام بما يحقق أمن المنطقة واستقرارها، لافتًا النظر إلى أن النظام الإيرانى لم يحترم وجود رئيس الوزراء اليابانى ضيفًا فى إيران وقاموا أثناء وجوده بالرد عمليًا على جهوده، وذلك بالهجوم على ناقلتين إحداهما عائدة لليابان، كما قاموا عبر ميليشياتهم بالهجوم الآثم على مطار أبها، مما يدلل بشكل واضح على نهج النظام الإيرانى ونواياه التى تستهدف أمن المنطقة واستقرارها. كذلك، أوضح سموه أن الاعتداءات على ناقلات النفط فى الخليج واستهداف منشآت نفطية فى المملكة ومطار أبها تؤكد أهمية مطالب المملكة من المجتمع الدولى باتخاذ موقف حازم أمام النظام الإيرانى الذى يدعم الإرهاب وينشر القتل والدمار على مر العقود الماضية، ليس فى المنطقة فحسب بل فى العالم أجمع، منتقدًا سموه توظيف طهران العوائد الاقتصادية للاتفاق النووى فى دعم أعمالها العدائية فى المنطقة ودعم آلة الفوضى والدمار. وأضاف سموه: «الخيار واضح أمام إيران. هل تريد أن تكون دولة طبيعية لها دور بنّاء فى المجتمع الدولي، أم تريد أن تبقى دولة مارقة؟ نحن نأمل فى أن يختار النظام الإيرانى أن يكون دولة طبيعية وأن يتوقف عن نهجه العدائي». وقد تعهد الأمير بالمضى من دون تردد فى التصدى بشكل حازم لكل أشكال التطرف والطائفية والسياسات الداعمة لهما، مشددًا على أن المملكة العربية السعودية لن تضيع الوقت فى معالجات جزئية للتطرف، فالتاريخ يثبت عدم جدوى ذلك. اليمن والسودان وسوريا ومن ناحية أخرى، قال سمو ولى العهد إن المملكة دعمت كافة الجهود للتوصل إلى حل سياسى للأزمة اليمنية، لكن للأسف ميليشيا الحوثى تقدم أجندة إيران على مصالح اليمن وشعبه، مضيفًا: «لا يمكن أن نقبل فى المملكة بوجود ميليشيات خارج مؤسسات الدولة على حدودنا»، مشيرًا إلى أن «هدفنا ليس فقط تحرير اليمن من وجود الميليشيات الإيرانية، وإنما تحقيق الرخاء والاستقرار والازدهار لكل أبناء اليمن». وفيما يتعلق بالسودان، لفت الأمير النظر إلى أن بلاده يهمها كثيرًا أمن السودان واستقراره، ليس للأهمية الاستراتيجية لموقعه وخطورة انهيار مؤسسات الدولة فيه فحسب، ولكن أيضًا نظرًا لروابط الأخوة الوثيقة بين الشعبين الشقيقين: السعودى والسوداني، ووعد سموه بالاستمرار فى موقف المملكة الداعم لأشقائنا السودانيين فى مختلف المجالات حتى يصل السودان إلى ما يستحقه من رخاء وازدهار وتقدم. وعن الوضع فى سوريا، أبان الأمير محمد بن سلمان أن الرياض تعمل مع الدول الصديقة لتحقيق عدة أهداف؛ منها: هزيمة تنظيم داعش، ومنع عودة سيطرة التنظيمات الإرهابية، والتعامل مع النفوذ الإيرانى المزعزع للاستقرار فى سوريا، واستخدام الوسائل المتاحة كافة لتحقيق الانتقال السياسى وفق القرار 2254، بما يحافظ على وحدة سوريا. ومن ناحية أخرى، أوضح سموه أن بلاده تنظر بأهمية كبيرة للعلاقات الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، باعتبارها عاملًا أساسيًا فى تحقيق أمن المنطقة واستقرارها، معربًا عن ثقته بأن علاقات المملكة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة لن تتأثر بأى حملات إعلامية أو مواقف من هنا وهناك، مضيفً: «المملكة تسعى دائمًا لتوضيح الحقائق والأفكار المغلوطة لدى بعض الأطراف فى الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول، ونستمع لما يطرح ونستفيد من الطرح المنطقى والموضوعي، لكن فى نهاية الأمر أولويتنا هى مصالحنا الوطنية». إلى ذلك، وصف سمو ولى العهد مقتل المواطن السعودى جمال خاشقجى بأنه «جريمة مؤلمة جدًا»، مشددًا على أن المملكة تسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة بشكل كامل فى تلك القضية من دون التفات إلى ما يصدر من البعض لأسبابهم الداخلية التى لا تخفى على أحد. ودعا سموه أى طرف يسعى لاستغلال القضية سياسيًا إلى أن يتوقف عن ذلك ويقدم ما لديه من أدلة للمحكمة فى المملكة بما يسهم فى تحقيق العدالة. الشق الاقتصادي أما فى الشق الاقتصادى من الحوار، فقد أكد الأمير محمد بن سلمان أن «رؤية المملكة 2030» قد انتقلت فعليًا من مرحلة التخطيط والتصميم إلى مرحلة التنفيذ على جميع الأصعدة إذ بدأنا نرى النتائج على أرض الواقع، مشددًا سموه على أن ما يحدث فى المملكة ليس فقط مجموعة إصلاحات مالية واقتصادية لتحقيق أرقام محددة، وإنما هو تغيير هيكلى شامل للاقتصاد الكلى هدفه إحداث نقلة فى الأداء الاقتصادى والتنموى على المديين: المتوسط والطويل. وأعطى سموه مثالًا واضحًا على ما يقول بالإشارة إلى ما يتعلق بتطوير القطاع المالى إذ شهدت السوق المالية السعودية تطورًا ملحوظًا، حيث انضمت السوق بعد إطلاق «رؤية 2030» إلى ثلاثة مؤشرات عالمية: «فوتسي»، و«مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة، و«ستاندرد آند بورز داو جونز»، مما سينتج عنه تدفق رؤوس الأموال بمليارات الريالات إلى السوق. كما زاد المستثمرون فى الصناديق الاستثمارية بنسبة (40 %)، وهى الزيادة الأولى منذ عام 2006م. وكذلك، حققت المملكة مؤخرًا أكبر تقدّم بين الدول الأكثر تنافسية فى تقرير الكتاب السنوى للتنافسية العالمية 2019 IMD الصادر من مركز التنافسية العالمى التابع للمعهد الدولى للتنمية الإدارية، وحصلت على المرتبة 26 مُتقدّمةً ب13 مرتبة عن العام الماضي، لتحتل المرتبة السابعة بين مجموعة دول العشرين. كما أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن برامج رؤية المملكة 2030 تسهم بشكل فعّال فى عملية التحول الاقتصادي، موضحًا أن المملكة تنتقل الآن من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجية والتنافسية العالمية، مشيرًا إلى أن رؤية المملكة 2030 والبرامج المنبثقة منها شأنها شأن أى خطط استراتيجية لابد من أن تخضع لتحديث وتعديل وفق الظروف والمعطيات التى تظهر عند التطبيق، من دون الإخلال بركائز الرؤية ومستهدفاتها. وأكد سمو ولى العهد على الالتزام بالطرح الأولى العام لأرامكو السعودية وفق الظروف الملائمة وفى الوقت المناسب، معتبرًا أن تحديد مكان الطرح سابق لأوانه، مشيرًا إلى أن هناك استكمالا لعدة خطوات تمهيدية استعدادًا للطرح. وأخيرًا، أعرب الأمير محمد بن سلمان عن فخره بأن « المواطن السعودى أصبح يقود التغيير، بينما تخوف الكثيرون من أن الرؤية ستواجه مقاومة بسبب حجم التغيير الذى تحتويه». سيادة المملكة خط أحمر انتفض أبناء الشعب السعودى مؤخرًا ضد الحملة المعادية والممنهجة التى تشنها وسائل إعلام معادية للمملكة بكل من تركيا وقطر (تتبع تنظيم الإخوان الإرهابي) إثر صدور تقرير «أغنيس كالامارد» مؤخرًا عن مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى حاولت فيه تحميل سمو ولى العهد الأمير محمد بن سلمان المسئولية عن مقتل خاشقجي؛ حيث واجه السعوديون الأمر بحملة رفض واستنكار بالغين، وذلك عبر هاشتاج تم تسميته: («#سيادة_المملكة_خط_أحمر»)؛ حيث أكد المغردون السعوديون أن هذه الحملة المعادية تمثل لهم تجديد بيعة وتدعيما لقرارات ومواقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولى عهده الأمير محمد بن سلمان. ويعيد هذا الهاشتاج ما قام به أبناء المملكة منذ عدة أشهر مع ظهور قضية خاشقجى حين تصدوا بكل قوة لمحاولات إلصاق تهمة القتل بسمو ولى العهد، معلنين وقوفهم بكل قوة بجوار قيادة المملكة الرشيدة ضد تلك المحاولة الخبيثة، وهو ما أثمر وقتها عن هاشتاج شهير بعنوان: («#كلنا_سلمان_كلنا_محمد). وقد أحسنت المملكة صنعًا بالرد على تقرير «كالامارد» حيث قال عادل الجبير، وزير الدولة السعودى للشؤون الخارجية : «إن ما تضمنه التقرير من ادعاءات واتهامات زائفة يؤكد أنها نابعة من أفكار ومواقف مسبقة لدى السيدة كالامار بشأن المملكة، ومن دلائل ذلك تعمد السيدة كالامار ومنذ الأيام الأولى للحادثة (مقتل خاشقجي) فى إلقاء التهم على المملكة دون أدنى دليل؛ حيث بدأت وفى اليوم الثالث من الحادثة المؤلمة بنشر تغريدات تتهم المملكة فيها بالمسؤولية عن عملية القتل، وبأنها تتستر على الجريمة». وأضاف الجبير فى تصريحات لوكالة الأنباء السعودية (واس): «كما وصفت (كالامار) بيان المدعى العام فى المملكة بأنه غير مقبول وشككت فى نزاهة التحقيقات، وذلك دون أدنى اعتبار لما تفرضه عليها مدونة قواعد السلوك من الالتزام بتقييم مهنى ومحايد للوقائع، وهذا يطرح تساؤلًا مهمًا حول مدى أهلية السيدة كالامار لتقديم تقرير موضوعى ومحايد عن هذه القضية». يذكر أن تقرير «كالامارد» غير ملزم وغير رسمى من جانب الأممالمتحدة، كما غابت عنه وجهة النظر السعودية تمامًا، لا سيما وأن المملكة تحاكم بالفعل المتورطين فى القضية بكل شفافية (عددهم 11 شخصًا، منهم 5 محكوم عليهم بالإعدام).. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المحاكمات الجارية بالمملكة فى قضية خاشقجى يحضرها ممثلون لسفارات الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى تركيا ومنظمات حقوقية سعودية. كاتبة سعودية، ورئيسة تحرير مجلة «مملكة الاقتصاد والأعمال».