خطاب الرئيس مرسي في جامعة أسيوط، خطاب تاريخي، يجب أن يدرس كدليل علي العشوائية، والتناقض، والنكدية والانتقام في اتخاذ القرارات، ناهيك عن التهديد والوعيد، وإثارة الفتن في البلاد!! لقد تناولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من النقاط التي تعرض لها الخطاب 'التحفة'، خاصة رقم الحساب الذي أعلنه الرئيس والذي دعا فيه من يريد أن يتطهر من الفاسدين بأن يضع المال في هذا الحساب، وربنا يقبل التوبة، غير أنني هنا أتوقف أمام نقطة خطيرة تعرض لها الرئيس في خطابه!! لقد هدد وتوعد، ونسي نفسه، وجلس علي كرسي الانتقام وتحول إلي خصم وحكم، وراح يذكرني بأيام السادات الأخيرة، خاصة بعد أحداث سبتمبر 1981، عندما راح يهدد بإطلاق الرصاص علي صحفي بالليموند الفرنسية ويصف الشيخ المحلاوي في سجنه بأبشع الأوصاف، ويسخر من الأستاذ هيكل وفؤاد سراج الدين وغيرهم ممن شملتهم قرارات الاعتقال في هذا الوقت، فكانت النتيجة زيادة الاحتقان الذي أدي إلي أحداث العنف التي راح الرئيس ضحيتها في هذا الوقت. لقد وقف الرئيس مرسي وسط حشد من الإخوان والإسلاميين ليقول: 'كل من يحاول جعل صورة الوطن مهزوزة لن أسمح له علي الإطلاق، وإنني سأفتح الملفات الفاسدة بأكملها، وأصحاب هذه الملفات معروفون، ولن أتهاون معهم، وهناك اثنان منهم في أسيوط من أتباع الحزب 'المجرم'!! هكذا يعلن الرئيس صراحة، وهكذا يهدد، دون حتي انتظار لتوجيه الاتهامات من قبل القضاء، لقد أصدر الحكم قبل أن يبدأ التحقيق، بل وهدد المتورطين وأشار إليهم بالبنان!! لقد راح أبناء أسيوط وغيرهم يضربون أخماساً في أسداس لمعرفة هوية من يقصدهم الرئيس، ترددت أسماء كثيرة، وتداول الناس وجوهاً بعينها، قالوا ربما تكون هي المقصودة، غير أن أحداً لا يستطيع أن يجزم، وهنا تثور العديد من علامات الاستفهام!! هل يريد الرئيس أن يقول لنا إنه هو صاحب قرارات الإحالة لجهات التحقيق المعنية، وإنه صاحب الحل والعقد في هذا الشأن، وإنه اطلع علي الملفات ومحاضر التحريات وأعطي التعليمات ببدء التحقيق مع هؤلاء الأشخاص أو غيرهم؟! أم أن الرئيس أراد أن يقول للكافة 'إنني أعرف كل شيء، وإنني أحذر وأنذر، وإن ملفات الجميع تحت يدي، ومن يحاول أن يعاديني ويعادي جماعتي ويجعل صورة الوطن 'مهزوزة'، علي حد وصفه، فلن أتهاون معه؟! أم أنه أراد أن يثير الفتنة بين أبناء أسيوط وبين من كانوا ينتمون إلي الحزب الوطني 'المنحل' من خلال اتهام اثنين مجهولين بالفساد والتآمر علي الوطن، وهي نفس الطريقة التي تحدث بها عن 'الفاسد' صاحب إحدي القنوات الفضائية التي تسعي إلي تشويه الحقائق، كما قال؟!! هكذا تطور الخطاب السياسي للدكتور مرسي بعد أربعة أشهر فقط من توليه منصب رئيس الجمهورية، فأصبح خطاباً انتقائياً، انتقامياً، يلقي بالاتهامات جزافاً، يهدد ويتوعد، وكأنه أصبح الآمر الناهي في كل شيء!! لقد أعطي الرئيس رسالة خاطئة للداخل والخارج من خلال هذا الخطاب تقول 'إن البلد لم يعد فيه قانون ولا احتكام إلي قضاء عادل، بل إنه وحده هو صاحب القرار، يسجن من يشاء ويترك من يشاء، يدمر خصومه حتي قبل أن يخضعوا للتحقيقات أو يعفو عنهم، بيده كل الملفات، وهو في رسالته لصاحب الفضائية أو لمن ينتمون للحزب 'المجرم'، إنما ينذر الجميع، ويعلن عن قدرته علي التنكيل بكل من يعارضه، وأن صبره قد نفد بعد أن بلغ 'السيل الزبي' كما قال!! لقد كرر الرئيس في هذا الخطاب مرة أخري مقولة 'لا يغزنكم حلم الحليم' أي أنه مستعد أن يفعل بكم ما لم تحلموا به، فهو ليس كما تظنون، بل إن بداخله شخصية أخري، قادرة علي تمزيقكم إرباً، وتقطيع أوصالكم والتشهير بسمعتكم وجعلكم عبرة لمن لا يعتبر، وعظة لمن لا يتعظ، فأفيقوا يا أولي الألباب! بقي فقط أن أذكر الدكتور مرسي أن وقائع التاريخ تقول إن الحاكم عندما يهبط إلي هذا المستوي، ويفقد أعصابه وينذر باستخدام أجهزة الدولة للانتقام من خصومه، فاعلم أنه بذلك يكتب النهاية لنظامه بأسرع مما يتوقع، أما الشعوب فلا القمع ولا التهديد ولا الوعيد يمكن أن تكسر إرادتها، أو تجبرها علي أن تعيش في سجن كبير!!