رمضان فى مصر ليس له نظير فى أى مكان فى العالم مع مدفع الافطار تجد حالة وجدانية مصرية فريدة من نوعها وفى حى الظاهر لايمكنك التمييز بين مائدة يقيمها مصرى قبطى او مسلم وفى شارع الفجالة تتكرر المشاهد ومع اشتعال ثورة 19 ومد الحركة الوطنية المصرية ونهضة جيل الرواد العظام ومفكرى الحقبة الليبرالية ظهرت تفاعلات مصرية وتحولت منابر الكنائس والمساجد وصرت تسمع الاذان من الكنيسة وقت المغرب فى عنفوان ثورة 19 واقباط مصر يرفضون فكرة المحتل الإنجليزى للحماية ويعلن كل أقباط مصر بكل طوائفهم رفض السير فى ركاب المحتل وليس غريبا أن تقرأ تلك العبارة «وكنيستها مجد مصرى- هكذا يصف عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين» هم جزء من النسيج الوطنى يتفاعل بشكل طبيعى مع أحداث مصر الجسام فى الفرح والحزن. وكل عام يشهد شهر رمضان الكريم موائد قبطية يقيمها المصريون الاقباط تضامنا وتعبيرا عن حب اخوتهم المصريين المسلمين وكل المصادر التاريخية تثبت وجود هذه الفكرة منذ وقت طويل ربما من أيام العلامة عبقرى الترجمة المصرى حنين اسحق عام 25 هجرية وقد كان ميسورًا وثريًا جدًا وكان منزله فى ناحية الرميلة مائدة عامرة للفقراء فى رمضان وغير رمضان دون تمييز وكانت مائدة مكرم عبيد فى الافطار تقليدًا وطنيًا مدهشًا تجد فيها رموز مصر دولة مصطفى النحاس وقادة الوفد وحزب الامة ولطفى بك السيد وطه حسين والشيخ على عبد الرازق، أما خطيب ثورة 19 سرجيوس فهو الذى كان ينظم موائد الرحمن فى الجامع الازهر، نعم فى الجامع الأزهر فقد عاش فى الجامع الشريف تسعين يوما من بينها شهر رمضان بالكامل كان يخطب فى المسجد ضد المحتل ويخدم فقراء المصريين على موائد الرحمن وقد وهب الله القمص سرجيوس لسانا فصيحا يهز أوتار القلوب حتي أطلق عليه لقب خطيب الثورة الأولي وكان سعد زغلول يلقبه خطيب مصر وبرز دوره في ثورة 1919 معلنًا أن الوطن لله وحب الوطن من عبادة الله. وتمضى السنوات وتتركز عصارة الوحدة الوطنية فى وجدان حى شبرا وتنتشر موائد الرحمن خصوصا بجوار دير سانت تريزا بعد خطوات من معهد الخازندار الازهرى ولا تزال حتى الساعة تقام سنويا فضلا عن مائدة القمص متى سوريس التى بدأت منذ عام 1969 ولاتزال حتى الان وكانت ايضا توجد مائدة القمس عجايبى الذى كان أول قسيس ينتخب فى عضوية المكتب السياسى لحزب التجمع وكان صاحب أداء سياسى محترم وكانت مائدة البابا شنودة الثالث يحضرها سبعة آلاف شخص سنويا وقال يوم 16 رمضان عام 2002 مصر نسيج واحد يستحيل تفتيتة. وكما قال ل «الأسبوع» د. ميشيل مورجان: هذا تقليد مصرى عظيم نحرص عليه سنويا منذ ايام البابا شنودة الثالث وكما تعلمنا منه قيمة الوطنية المصرية وأن الشعب المصرى يسعد بهذه اللقاءات لأنها أفضل رد على أى تشكيك فى وحدة كل المصريين فى حب مصر التى هى أصل الحضارة فى كل العالم, وأن لقاءنا هو صوره لمصر المحبوبة كما أرادها الله وكما نريدها فى وحدتها وفى جمع شملها. ومصر لكل المصريين أقباطًا ومسلمين, وأن أى محاولات خارجية او اعمال ارهابية داخلية تسعى لتفرقة المصريين لم ولن تستطيع أن تؤثر فى وحدة هذا الشعب, ووجودنا مسلمين وأقباطا على مائدة واحدة يؤكد أننا شعب واحد, وأن أى أحداث من أغبياء أو مجانين تحاول تعكير صفو العلاقة بين الشعب الواحد موجودة فى كل مكان ولكنها أحداث تمر سريعا. من جانب أخر تشهد الكنيسة الكاثوليكية فى مصر الجديدة مائدة رحمن منذ سنوات ويقوم د رفيق جريش سكرتير عام الكنيسة الكاثوليكية بنفسه بتنظيم المائدة خصوصا هو يعترف دوما أن اغلب أصحابه هم من المسلمين منذ صغره وايام المدرسة والجامعة بل ويعرف نوع كل طعام مفضل لأصحابه من المصريين المسلمين ورفض بخفة ظلة قائلا: انت تريد أن اقول على اسماء اصحابى اللى بعزمهم خصوصا وهم من صفوة وعلية القوم تعالى اعزمك معاهم وابقى صورهم وتكلم معهم إن سمحوا هم بذلك. وتقوم الكنيسة الانجيلية الشهيرة «قصر الدوبارة» سنويا بتنظيم حفلات إفطار منذ سنوات طويلة ولعل الحادث الاخير قد يؤثر على هذا المشهد الانسانى المصرى الراقي جدا.