شأنها شأن غالبية بلاد العرب لا إصلاح ولا حرية، لا عدالة ولا تنمية، هي سوريا إذن، ولو لم يكن الاسم ضروريا لأن المقال هنا عن سوريا، لاعتبرنا أن أي دولة عربية قد تفي بالغرض، فأحوال الجمهوريات العربية متشابه للدرجة التي تجعل أن الحديث عن القمع والفقر والفساد متشابه، ولا يختلف سوي أسماء الفاسدين في هذه الدولة عن تلك! في سوريا أيضاً... أحاديث عن إصلاح وخطط وهمية للتنمية، هي إذن الأوضاع ذاتها والأنظمة نفسها، وقالوا قديما: إن السبل المتشابهة غالبا ما تؤدي إلي النهاية نفسها، وها هي سوريا تعيد السيناريو نفسه الذي رأيناه بالأمس القريب في مصر وتونس وليبيا واليمن ، الشعب يخرج من قمقمه مطالباً بإصلاح وتنمية وعدالة، فيخرج النظام ليؤكد علي أنه بالفعل يسير في هذا الاتجاه منذ سنوات، وكأن الشعوب كانت في غفلة من تلك الاصلاحات!، تطالب الجماهير الغاضبة بتطهير أوطانها من الفساد والبيروقراطية، يأمر النظام زبانية سلطاته الأمنية بضرورة سحق الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، لأن تلك المطالب هي من تدبير أجندات خارجية، ولا مانع من إراقة الدماء تحت مسميات الحفاظ علي وحدة الوطن وتماسكه والقضاء علي براثن المؤامرات الأجنبية ، تثور الجماهير الغاضبة بالأساس أكثر فأكثر ويزداد سقف مطالبها حتي تصل سقوط رأس النظام نفسه وضرورة رحيله عن منصبه، فيخرج رأس النظام مضطراً تحت ضغط الشارع ليقيل حكومته التي لا يتعدي دورها سوي أعمال السكرتارية لنظامه الفاسد، ثم يأمر بنزول الجيش لحفظ الأمن، وكأن كل رئيس يريد توريط جيشه في عمليات قتل ونهب وتخريب، ليخرج هذا الرئيس في النهاية ليقف الي جانب الشعب ضد الجيش مدعياً أنه ابن الشرعية الشعبية في مواجهة من يريدون القضاء عليها. الشعب يريد إسقاط النظام، والنظام يلقي بكل أوراقه المتاحة أمامه، ففي ليبيا جلب المرتزقة من الخارج، وفي اليمن أحدث انشقاقاً بدق "إسفين" بين مؤيديه ومعارضيه وأطلق يد البلاطجة يعيثون فساداً في أرض اليمن، الذي كان سعيداً قبل أن يجعله يحزن، وفي مصر كان لبلطجية النظام دور كبير في ما عُرف بمعركة الجمل إلي جانب الانسحاب المفاجئ لقوات الأمن من كل ربوع مصر و ألان يقوم فلول الحزب الوطني المنحل بدور خطير في زعزعة الأمن والاستقرار من خلال أعمال شغب من الحين للآخر، وفي تونس أعطي أوامر للجيش بسحق كل من يطالب بسقوطه. أما سوريا فقد أخذ بشارها العبرة من دروس جيرانه وأخذ من كل نظام درس ليستأسد علي بني وطنه وكأنهم أعداء وليسوا مواطنين، ثمة حملة قمع عنيفة لاحتجاجات ومظاهرات سلمية مطالبة بالديمقراطية والحرية والعدالة، الأسد يرسل الدبابات لقمع الاحتجاجات في مدينة درعا التي اندلعت فيها شرارة الثورة السورية، بينما لم نر علي مر عقود مضت أي دبابة أو حتي ذبابة يتم إرسالها صوب الجولان المحتل، يحاصر درعا وكأنها أصبحت تحت وطأة الاستعمار الأجنبي، ثم ما تلبث وزارة الداخلية أن تطالب المواطنين بعدم الخروج للتظاهر بدون ترخيص، ترخيص؟ّ! عن أي ترخيص كانوا يتحدثون؟ إنها الثورة، فهل رأيت من قبل ثورة تطلب إذناً أو ترخيصاً كي تقوم؟، ثمة درس آخر قد أخذه الأسد من قصص سقوط الأنظمة الشقيقة له وهو الادعاء الكاذب بأن تلك المظاهرات هي مؤامرة صهيونية أمريكية هدفها النيل من سوريا، يبدو أن كل رؤساء العرب قد تولدت لديهم قناعة بأن الشعوب العربية قد فقدت الروح الثورية التي اتسموا بها في عهد التحرر من قيود الاستعمار الغربي وأن تلك الروح الثورية لن تعود لهم مرة أخري أبداً، كما أنهم أي الرؤساء يحاولون العودة بالعقول الي الماضي، حيث كانت المكائد يتم تدبيرها خارجيا للسيطرة علي خيرات الدول، لكن كيف يمكن ذلك خصوصاً وأن الشعوب تغيرت وأصبح بمقدور أبنائها التمييز بين العدو والصديق في حين أن الرؤساء يعتبرون الصديق هو من يساعدهم علي الحفاظ علي عرشهم الأبدي حتي ولو كان عدواً بالأساس ، وأن العدو هو من يطالبهم بالرحيل حتي ولو كانت الشعوب ذاتها!، في الوقت نفسه، ستجد القبضة الأمنية التي استطاعت أن تقمع أي صوت معارض علي مر السنوات المنصرمة من شأنه أن يجعل الساحة فارغة دائماً إلا من شخص واحد فقط وهو الرئيس الأب والبطل! هي مفاجأة إذن، بالنسبة للنظام، أن يري صور الابن والأب بشار وحافظ في شوارع المدن السورية يتم تمزيقها، بل والتمثال الشامخ يسقط، بعدها يجن جنون النظام فيبدأ بتوسيع دائرة إلقاء التهم فتطول السلفيين والإخوان وغيرهم، فلعله يجد في فزاعة التيارات الدينية مبرراً أمام العالم لما يقوم به بحق الشعب السوري، لكن أليس غريباً أن يكون من بين هؤلاء الاسلاميين المتطرفين: مسيحين؟! فقد قرأنا أسماء سوريتن مسيحيين من بين شهداء الثورة في الوقت الذي كان الاعلام الرسمي الكاذب يتحدث عن قتل الأجهزة الأمنية إسلاميين متطرفين! ، فيبدو أن الإعلام في سوريا لم يعد يغزل نسيج أكاذيبه بإتقان خصوصاً وأن الأحداث تتسارع تحت وطأة الضغط الداخلي والخارجي علي حد السواء، هذا بخلاف أن النظام منع أي مراسلين أجانب من التواجد لتغطية الأحداث مما ولد تعتيما غير مسبوق علي ما يحدث علي أرض الواقع، اللهم إلا بعض مقاطع الفيديو التي يتم تسريبها علي مواقع الإنترنت من الحين للآخر.. لقد حان الوقت لسقوط نظام عذب وهجّر وقتل، وقبل ذلك: أفسد وأفقر وطغي.