ستظل أمريكا زئبقية المواقف وبالتالي لا يمكن للمرء أن يأتمنها على ما تتعهد به، وها هى اليوم تصعّد الأمور ضد إيران عبر إقرار مشروع قانون فى الكونجرس يمدد العقوبات لعشر سنوات وهو ما يخالف أحكام اتفاق التفاهم حول الملف النووى الذى تم توقيعه فى 14 يوليو 2015 والذى ينظم رفع العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود وليس بمدها.. ولهذا أعربت إيران عن انزعاجها من الاجراءات الأحادية الجانب التى تستخدمها أمريكا وأسقطت بموجبها الالتزام بما وقعت عليه وتعهداتها بشأن الاتفاق النووى الذى حظى بتأييد الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. ولهذا كانت إيران على حق إزاء القلق الذى اعتراها من جراء تمديد أمريكا لمشروع قانون «إيسا» ISA فى الكونجرس والذى وجه ضربة جديدة ضد الاتفاق النووى عندما صوت مجلس الشيوخ الأمريكى مؤخرا بالأغلبية علي تمديد العقوبات على إيران، وحذا حذوه مجلس النواب وهى العقوبات التى كان يفترض أن تنتهى بنهاية العام الجارى، ويتوقع أن يوقعه أوباما رغم أن التعهدات تلزمه باستخدام الفيتو ضده.. إلا أن ما تردد من أنباء فى الداخل الأمريكى تكاد يجزم بأن أوباما سيوقع على القرار. أمريكا على يقين بأن الاتفاق النووى ليس ثنائيا حيث إنه تم إبرامه بمعية عدة دول ولهذا فإن انتهاكه من جانب أمريكا لن يمر ببساطة وعندئذ من حق إيران الرد على هذا الانتهاك واتخاذ خطوات جدية ضده ولعل أولى البوادر على ذلك تتمثل فيما كشف عنه «على لاريجانى» رئيس مجلس الشورى الاسلامى عندما طالب بضرورة القيام بخطوات جدية للتعامل مع الخرق الأمريكى للاتفاق بل وطالب بالعمل على تشكيل مجلس خاص بالشئون النووية لدراسة انتهاك الاتفاق والرد على التصرف الأمريكى بالطرق المناسبة.. عامة الأمر ليس بالجديد بالنسبة لأمريكا التى اعتادت على نكث العهود واختلاق العقبات وممارسة الأساليب العنيفة وغير الواقعية خاصة ما يتعلق هنا بإيران.. وإذا كانت إدارة أوباما اليوم قد عكست بمواقفها هذه خيبة أمل لدى إيران فما بالك بما سيكون عليه الأمر فى حقبة إدارة «دونالد ترامب»؟.. بيد أنه يظل من الخطأ الحكم مسبقا من الآن على ما قد تقدم عليه إدارة ترامب مستقبلا. الانقلاب الأمريكى علي الاتفاق حدا بإيران إلى أن تتوعد بردود قاسية إذا لم يتم وقف القانون المذكور وبالتبعية سيطر القلق على مصير التفاهم فى ضوء ما تسرب من دعوات برلمانية إيرانية بإعادة العمل بتخصيب اليورانيوم على درجات عالية، بل وتركيب أجهزة طرد مركزى من الأجيال الجديدة والتى تتيح الحصول على كميات اليورانيوم العالى التخصيب فى شهر واحد وهو ما كان يحتاج انتاجها لعام كامل. ولهذا لابد من تفعيل الاتصالات بين إيران وأطراف التفاهم التى تضم الدول المشاركة وهى روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بالاضافة إلى الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى تلافيا لموجة تصعيد تجعل مصير التفاهم علي كف عفريت.. ولكن ما يخشاه المرء أنه فى ظل موجة التصعيد الحالية قد يصعب السيطرة على الموقف لاسيما وسط مناخ دولى قلق وغير مستقر ولا تحكمه مراكز قوى راسخة، بالاضافة إلى عدم وجود قواعد للعلاقات فى عالم لا يزال فى مخاض مراحل انتقالية كان «بوتين» قد وصفها بسقوط الأحادية الأمريكية من دون تثبيت شكل بديل لإدارة العلاقات الدولية. المنطق يقول بأن الاتفاق النووى مع إيران ليس ثنائيا حيث تم توقيعه مع عدة دول، ولهذا فإن انتهاكه من جانب أمريكا يعد خروجا على التعهدات التى التزمت بها.. كما أن الاتفاق يجب ألا يذهب ضحية لانتقال السلطة من أوباما إلى ترامب.. وكذلك يجب ألا يتأثر تطبيقه مع إيران بأية تغييرات فى الأوضاع الداخلية فى الدول المعنية. إذ أن تطبيق الاتفاق هو مسئولية مشتركة يجب على الأطراف الالتزام بها واحترام كل التعهدات والتشديد من خلالها على حسن النوايا..