تساءل الأدميرال والقائد السابق لحلف الناتو جيمس ستافريديس عن كيفية الاسترشاد بتسوية صراع البلقان في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، في رحلة البحث عن تسوية للصراع السوي الراهن. واستهل مقالا نشرته مجلة 'فورين بوليسي' بالإشارة إلي بلد مكون من حدود مصطنعة ومحكوم بنظام استبدادي وحشي لا يتورع عن استخدام كافة الوسائل القمعية في إدارته من حبس ومحسوبية ومخابرات داخلية حتي تفجرت الدولة بكراهية دينية وعرقية، وعند نقطة معينة تمّ إعدام ثمانية آلاف مواطن في غضون أيام معدودات علي الرغم من جهود 'ضعيفة' بذلها المجتمع الدولي لينتهي الأمر بمقتل مئات الآلاف وتشرد الملايين. وأكد ستافريديس - الذي يعمل حاليا عميدا لكلية فليتشر للقانون والشئون الدبلوماسية في جامعة تافتس الأمريكية - أن البلد الذي أشار إليه يبدو للوهلة الأولي سوريا، ولكنه في الحقيقة كان البلقان في حقبة التسعينيات وأعاد إلي الأذهان كيف أنه بمجرد تفكك يوغوسلافيا، سعت مختلف جماعات الدولة، عرقية ودينية، إلي استظهار القوة وادعاء حقوق إقليمية وتكوين دويلات جديدة، وفوق كل شيء سعت كل جماعة إلي تطهير منطقتها عرقيا، وانتهي الحال بتلك التوجهات إلي حرب شاملة مريرة اندلعت في مطلع التسعينيات ردت البلاد علي أعقابها إلي أحقاب بعيدة من همجية البشرية الأولي. ورأي الكاتب أن الأمر لا يحتاج إلي قدرة كبيرة علي التخيل لرؤية أوجه التشابه بين يوغوسلافيا التسعينيات وسوريا اليوم.. واستدرك قائلا إن هنالك بالطبع وجوه اختلاف جوهرية ومهمة، ولكن بينما المجتمع الدولي يتعاطي مع الأزمة السورية فثمة دروس يمكن اعتبارها من الطريق الطويل والصعب الذي اضطر العالم للسير عليه وصولا إلي تسوية أزمة البلقان مع اقتراب نهاية القرن العشرين عبر اتفاقيات 'دايتون' التي أنهت الحرب في البوسنة، يمكن الاستفادة من تلك التجربة. وأكد ستافريديس أن التدخل الدولي هو الحل، وأن أجندة أي دولة بمفردها لن تكون قادرة علي السيطرة علي الأزمة مهما كانت تخيلات أنصار هذه الأجندة بشأن قوة موقفهم.. بمعني آخر، لا بد من تسوية وتقديم تنازلات.. وقال إن المجتمع الدولي يتعين عليه البناء علي اللقاء المبدئي الذي انعقد في فيينا الأسبوع الماضي بشأن الدفع صوب نوع من الاتفاق الكفيل بإيجاد نظام جديد في سوريا. ورأي أن من بين الدروس الرئيسية التي يمكن استنتاجها من حرب البلقان هو أن مسألة التسوية تستغرق زمنا طويلا قد يمتد إلي أكثر من عقد، معيدا إلي الأذهان كيف أن صراع البلقان بدأ فور سقوط حائط برلين وانهيار السِلْم الهشّ الذي أعقب تفكك يوغوسلافيا، ثم شهدت العشرين عاما التالية لذلك سلسلة من المواجهات والمذابح والصراعات الداخلية وحملات التطهير العرقي ليتحول المشهد في نهاية الأمر إلي حرب شاملة في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو، وأشار إلي أن الأمر استغرق أكثر من 15 عاما حتي تستطيع قوي المجتمع الدولي، الناعمة والصلبة، أن تقف علي حقيقة الأوضاع والمواقف علي الأرض في البوسنة. وقال ستافريديس 'إن حلّ المشاكل في سوريا، لسوء الحظ، قد يستغرق مدة تقارب المدة الزمنية التي استغرقها حل أزمة البلقان، ولا يجب كذلك أن يصاب المجتمع الدولي بالإحباط حال حدوث انتكاسات، فقد تطلب الأمر في البلقان إلي عقد عدة اتفاقيات، والأمر ليس سهلا.. يجب أن نصطلح أولا علي ذلك.'