اعلنت دار الإفتاء المصرية أنه يجوز الإنفاق من أموال الزكاة علي البرنامج القومي للقضاء علي فيروس 'سي'، وذلك من خلال إنشاء مراكز العلاج المتخصصة، وتوفير العلاج، والرعاية المتكاملة للمريض حتي يشفي بإذن الله. وأوضحت الدار في أحدث فتاويها، أن الزكاة مشروعة لبناء الإنسان وكفاية حاجته، وما يتصل بأمور معيشته وحياته، كالزواج والتعليم والصحة وغير ذلك من ضروريات الحياة، أي: أنها للإنسان قبل البنيان، وللساجد قبل المساجد. وافادت الفتوي أن الشريعة الإسلامية لم تغلق باب الاجتهاد في طريقة الصرف وكيفية التوزيع، ومن ثَمَّ اختلفت أنظار الفقهاء في مسائل متعددة تتعلق بتحقيق المناط في مصارف الزكاة، توسيعًا وتضيقًا، ولا يخفي أن القضاء علي الأمراض والأوبئة الفتاكة من أهم مقومات حياة الإنسان ومعيشته، وفيه تحقيق لأعظم المقاصد الكلية العليا للشريعة وهو حفظ النفس. وأشارت الفتوي إلي أن قيام الدولة المصرية بتبني برنامج قومي للقضاء علي فيروس 'سي' من خلال إنشاء مراكز علاج متخصصة، وتوفير أحدث علاج متوفر عالميًّا، إضافة إلي الرعاية المتكاملة للمريض حتي يشفي بإذن الله يصح دخوله في مصارف الزكاة دخولًا أوليًّا من أكثر من جهة. وأوضحت الفتوي أن الجهة الأولي أنها تدخل في مصرف الفقراء والمساكين، لأن أغلب المرضي هم من المحتاجين الذين يفتقدون الرعاية الصحية المناسبة والتغذية السليمة التي تحول دون وصول هذه الأوبئة إليهم، وهم المستفيد الأعظم من خدمات هذا البرنامج القومي المتكامل، وهو وإن لم يكن فيه تملُّكٌ مباشر لأفرادهم إلّا أن الدولة تتصرف فيه عنهم بما هو أنفع لهم، وفائدته الأساسية تعود علي ذلك القطاع العريض من المجتمع الذي يحتاج احتياجًا أوَّليًّا إلي رفع مستواه العلاجي، كما أن الوصول إلي هذه المنظومة المتخصصة المتكاملة من العلاج الحديث لهذا الوباء وأمثاله، بتكاليفه الوصفية والتجهيزية والدوائية، لا يمكن أن يحققه عموم الأفراد بأنفسهم مهما بلغت قدرتهم المادية، وإنما يحتاج إلي ضرورة تدخل الدولة بميزانيتها الضخمة لتوفيرها لرعاياها. أما الجهة الثانية التي ذكرتها فتوي دار الإفتاء أنها تدخل في مصرف في سبيل الله، لأنه عبارة عن إنشاء منظومة متكاملة لعلاج قطاع كبير من المواطنين الذين يؤدي تحسُّنُ مستواهم الصحي إلي تَطَوُّر معدلات التنمية المجتمعية، وزيادة القوة الاقتصادية للدولة، فإن العقل السليم في الجسم السليم، وكل ذلك يساهم في إعداد القوة المأمور به شرعًا، وتطوُّرُ العصر وتنوع آليات القوة فيه يستتبع تطوُّرَ أسباب الإعداد وتنوع جهاته وتعدد وسائله، كما هو الشأن في تحسين منظومة التعليم والبحث العلمي، فإن موازين القُوَي لم تَعُدْ محصورة في وسائل الحرب، كما أن بناء القوة يبدأ مِن بناء الفرد وقدرته علي الإنتاج. وقد توسَّع كثير من العلماء في مفهوم هذا المصرف، فجعلوه مجالاً لصرف الزكاة عند الحاجة في كل القُرَب وسبل الخير ومصالح الناس العامة، أخذًا بظاهر اللفظ في قوله تعالي: 'وَفِي سَبِيلِ اللهِ'، وهو ما عليه فتوي دار الإفتاء المصرية منذ عهد فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله تعالي. وأشارت الفتوي إلي أن دار الإفتاء سبق وأفتت من قبل عدة فتاوي في هذا الخصوص نحت فيها إلي سلوك مسلك التوسع في مصرف في سبيل الله، وأجازت صرف الزكاة في طرق الخير والبر، ومنها: ما كان في عهد الشيخ حسن مأمون عام 1958م، وعام 1980م، وغيرها. ونبهت الفتوي علي ضرورة أن تقتصر الفتوي بهذا القول علي الجهات المعتمدة الموثوق بها التي تبتغي المصلحة العامة، حتي لا يؤدي ذلك إلي ضياع حقوق الفقراء والمساكين.