لا أجد من الكلمات ما يعبر عن رسالة د.يوسف القرضاوي الأخيرة أو 'فتواه'، التي راح من خلالها يغازل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ويطالب فيها الأتراك بإعادة انتخابه.. فقد تجاوز القرضاوي برسالته ما عايشناه في حياتنا العملية، وما قرأنا أو سمعنا عنه أو حتي شاهدناه في المسلسلات والأفلام من أساليب النفاق. بالطبع.. من حق أي مواطن أن يؤيد أي حاكم ويروِّج له، سواء كان ذلك نتيجة قناعة شخصية، أو حتي نظير أجر.. وقد نفهم أن ينافق أحد حاكمًا ما، ببيت شعر مثل: 'فإنك شمس والملوك كواكب/ إذا طلعت لم يبد منهن كوكب'، أو بتعليق لافتة في الشارع تقول: 'الجنين في بطن أمه يؤيد مبارك'، أو برواية رؤيا في المنام تؤكد أن 'مرسي يصلي إمامًا بسيدنا محمد'.. أو حتي باستخدام عبارات من عينة: 'شخبطة سيادتك تخطيط لمستقبلنا، وشلوت حضرتك دفعة للأمام'.. فرغم أن ذلك كله مرفوض تبقي المسألة في النهاية مجرد مبالغة.. لكن أن يصل الأمر إلي تحويل 'النفاق' إلي 'فتوي شرعية'، واستخدام آيات من القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية، وتوظيفها لنفاق حاكم مثل أردوغان.. وتزييف الوعي لانتخابه، فنحن أمام فضيحة لا تكفي الكلمات والعبارات مهما كانت حدتها، لوصفها!. ففي الوقت الذي أفتي فيه القرضاوي لإرضاء سيده في قطر بأن الخروج علي القذافي فريضة دينية، فمات الآلاف ضحية فتواه، وضاعت ليبيا وباتت قاب قوسين أو أدني من التقسيم، يفتي بأن انتخاب أردوغان فريضة!!. القرضاوي الذي يملأ الدنيا ضجيجًا بفتاواه الشاذة، 'مدفوعة الأجر' عن و'جوب الجهاد' في سوريا ضد بشار الأسد، و'عدم وجوبه في فلسطين'، لأن لله 'يختبر المرابطين في الأراضي المقدسة'!!، يحرِّض الآن الشعب التركي علي انتخاب أردوغان، بوصفه 'فريضة دينية'!!. تخيلوا.. لا داعي للجهاد في فلسطين، لأن لله يختبر أهلها!!.. أما الجهاد أمام صناديق الانتخاب في تركيا فهو واجب شرعي.. وكله بالقرآن والأحاديث النبوية!!. تناسي القرضاوي فتواه التي حرم فيها المشاركة في الانتخابات الرئاسية المصرية، مؤكدًا وقتها أن مقاطعتها فريضة دينية، وراح ينصح الشعب التركي بالمشاركة في الانتخابات قائلا: الإدلاء بالرأي في هذه الانتخابات فريضة، علي كل مسلم أن يشهد بما يراه صوابًا، وما يري فيه صلاح بلده وأبناء شعبه.. فالانتخاب لكل من يُدعي إليه، شهادة في حق من حقوق الله، يترتب عليها حقوق عامة، وهو ما يُطلق عليه الفقهاء حقوق الله. ثم راح القرضاوي يستشهد في رسالته بآيات من القرآن لتمرير فتواه، قائلا: كل من طُلب منه أداء صوته يجب أن يُدلي به، ولا يمتنع عن ذلك، سواء كان رجلا أو امرأة، كما قال تعالي: 'وَلَا يَأْبَ الشهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا'.. [البقرة: 282].. ولا يجوز له أن يتبرأ أو يحاول كتمان الشهادة، كما قال تعالي: 'وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِم قَلبُهُ'.. [البقرة: 283].. وهذه العبارة توحي بأن كتمان الشهادة من الكبائر، وقد قال لله تعالي: 'وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ للهِ'.. [البقرة:140]. وبعد أن أفتي د.القرضاوي بأن المشاركة في الانتخابات التركية فريضة دينية، راح يروج لأردوغان بقوله: إذا وضع المسلم شهادته لغير من يستحقها، فقد خان الأمانة التي أمر لله بأدائها، كما قال تعالي: 'إنَّ لله يَأمُرُكُم أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلي أهلِهَا'.. [النساء:58]. وأضاف: هذه الشهادة تعتبر شهادة زور، وتُعَدُّ من الكبائر، كما روي الشيخان، قال رسول لله صلي لله عليه وسلم: 'ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، قالوا: بلي يا رسول لله، فقال: أكبر الكبائر: الشرك بالله تعالي، وعقوق الوالدين.. وكان متكئا فجلس وقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتي قلنا: ليته سكت'.. وإنما قالوا ذلك من فرط الإشفاق عليه من الغضب والخوف من لله تبارك وتعالي.. وقد قال لله تعالي في شهادة غير المسلمين من أهل الكتاب: 'وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ للهِ إِنا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ'.. [المائدة:106]. إذن كل الطرق كما أفتي القرضاوي تؤدي إلي مشاركة الأتراك في الانتخابات، واختيار مَنْ يصلح!!.. ومَنْ يصلح بالطبع هو أردوغان.. الذي يزعم المفتي الملاكي أنه يجمع بين صفات سيدنا يوسف وسيدنا موسي.. وكله بالقرآن!!. فقد قال في فتواه: لقد علمنا القرآن الكريم المعيار الصحيح لاختيار من يمثل الأمة وينوب عنها، ويتحمل مسئوليتها، وهو ما ورد علي لسان سيدنا يوسف الصديق حين خرج من السجن إلي مُلك مصر: 'قَالَ اجْعَلنِي علي خَزَائِن الأرضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ'.. [يوسف: 54-55].. وكذلك ما جاء علي لسان ابنة الرجل الصالح في وصف موسي عليه السلام: 'يَا أَبَتِ اسْتَأجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَن اسْتَأجَرْتَ القَوِي الأمِينُ'.. [القصص:26].. فأشارت إلي صفتين في غاية الأهمية. وبعد أن ذكر القرضاوي صفات سيدنا يوسف وموسي عليهما السلام، قال: أطالب الشعب التركي المسلم باسم الإسلام بأن ينتخب لرئاسة جمهوريته رئيس الوزراء المسلم رجب الطيب أردوغان، الرجل 'القوي الأمين'، 'الحفيظ العليم'، المخلص لبلده ودينه وأمته، الذي أثبت بقدرته وشجاعته، وذكائه ورؤيته، وإخلاصه وسعة أفقه، وقوة حزبه، وائتلاف الشعب معه: أنه الرجل الصادق الذين أمرنا لله أن نكون معه، لقوله تعالي: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا للهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ'.. [التوبة:119].. فواجب أن نكون مع الصادقين حتي يفوزوا، ومع فوزهم حتي يحققوا رجاءهم، ومع بدايتهم حتي تستمر مسيرتهم. وأضاف القرضاوي: وصف أردوغان بالصادق مستمد من قول لله تعالي في وصف المجاهدين بصدق الإيمان الذي لا زعزعة فيه ولا ارتياب، وبالجهاد بكل ما يملكه الإنسان من مال ومن نفس، كما قال تعالي: 'إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُم لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيلِ للهِ أولَئِكَ هُمُ الصَّادقُونَ'.. [الحجرات:15]. لم يكتف القرضاوي بذلك بل تحدث نيابة عن علماء المسلمين جميعًا قائلا: أود أن أؤكد هنا باسمي واسم علماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن دولة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان هو الرجل المناسب لهذا المنصب، وهو الرجل الذي أحبه شعبه، بعدما جرب الحقب الديكتاتورية التي حرمته الحرية والكرامة والديمقراطية من قبل، والذي أعاد إليه الاستمتاع بالحياة الوطنية الجديدة، التي ربطت تركيا بقديمها، وربطتها بإسلامها، وربطتها بأمتها الكبري في العالم.... إلخ كلمات الرياء والنفاق. لقد حرصت علي ذكر نصوص من فتوي القرضاوي خاصة التي يستند فيها للقرآن الكريم، حتي يكتشف من يتأملها حجم متاجرة هذا الرجل بآيات لله مقابل المال، أو إرضاء لأسياده في قطر، كما يقول تعالي: 'وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّاي فَاتَّقُونِ'.. [البقرة:41].