جاء قرار الحكومة برفع أسعار المواد البترولية مساء الجمعة الماضي، ليتسبب في حالة من الغضب بين المواطنين لمسها القاصي والداني صباح السبت، وهو اليوم الذي شهد حالة من المشاجرات بين الركاب وسائقي سيارات الأجرة الذين طبَّقوا بدورهم زيادة تعريفة الركوب، فور علمهم بقرار زيادة أسعار السولار الذي تعتمد عليه معظم سيارات الأجرة. الغريب أن القرار جاء مباغتًا للجميع، خاصة أن نائب رئيس هيئة البترول كان قد أعلن منذ عدة أيام عن عدم نية الحكومة تطبيق الزيادة في الوقت الحالي، وأن القرار، إن كان سيُنفَّذ إلا أنه سيؤجل خلال هذه الفترة من شهر رمضان، ويبدو أن هذا التصريح كان القصد منه صرف المواطنين عن التزاحم علي محطات البنزين بعد سريان خبر الزيادة علي نطاق واسع. وبمجرد الإعلان عن القرار سارعت محطات البنزين إلي إغلاق أبوابها حتي صباح اليوم التالي طمعًا في تطبيق الزيادة علي المخزون المتوافر لديها وتحقيق مكاسب مضاعفة، وليس كما قيل لعمل جرد للكميات الموجودة في الخزانات. الشعب المصري اعتاد طيلة تاريخه أن ترتبط أي زيادة في البنزين بزيادة مضاعفة في أسعار السلع والخدمات، والزيادة هذه المرة ليست هينة ولكنها كبيرة، وعلي الرغم من تأكيد الحكومة أن الزيادة لن تؤثر علي أسعار السلع، إلا أن هذا أمر يصعب تنفيذه في ظل فوضي التسعير التي يلجأ لها أصحاب المحلات من تلقاء أنفسهم. من يدفع ثمن القرارات الحكومية التي تبدو غير مدروسة في بعض الأحيان؟ بالتأكيد فإن المواطن البسيط ومحدودي الدخل هم مَن سترهقهم هذه الزيادات، فإذا كانت الزيادات بسيطة من وجهة نظر البعض والذين يروِّجون لفكرة أن علينا أن نتحمل حتي تخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية، إلا أن كاهل المواطن لم يعد يحتمل مزيدًا من الأعباء، فمجرد زيادة جنيه أو جنيهين في تعريفة أجرة سيارات السرفيس قد تكون بسيطة، ولكنه سيتبعها المزيد من الزيادات في باقي السلع، في الوقت الذي لم تزد فيه المرتبات جنيهًا واحدًا، والسؤال هو: من أي بند سيغطي المواطن هذه الزيادات؟ وعلي حساب ماذا؟. وما يزيد المشكلة تعقيدًا أن قضية الاجور مازالت تراوح مكانها، وان كانت الحكومة تتحدث عن الحد الأدني وزيادة المرتبات للعاملين في القطاع الحكومي، فإن أحدًا لا يتحدث عن العاملين في القطاع الخاص الذين تفوق أعدادهم بكثير أعداد العاملين في الحكومة، ومع كثرة الأزمات الاقتصادية التي مرت بها البلاد وتعطل الإنتاج في كثير من مواقع العمل، فقد تعرض كثير من العاملين إلي تقليص رواتبهم ووصل الأمر إلي الفصل التعسفي أحيانًا. هذه الظروف إلي جانب حالة التضخم التي يعانيها الاقتصاد التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم إلي الدرجة التي أصبحنا نشعر فيها أن قيمة الجنيه لا تساوي قرشًا واحدًا، أضف إلي ذلك انفلات الأسواق وابتعادها تمامًا عن أي رقابة حكومية حتي أصبح منطق العرض والطلب هو سيد الموقف، كل هذه العوامل أثرت بشكل سلبي علي الحياة اليومية للمواطن، لدرجة أن كثيرًا من الأسر عجزت عن الوفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية. نقول إن المواطن لم يعد يحتمل المعاناة ولا تسديد فواتير تحرير أسعار المحروقات، وكان الأولي بالحكومة أن تطبق القرار أولا علي الميسورين أو مالكي السيارات علي اختلاف سعتها اللترية دون المساس بكل ما يخدم البسطاء من أبناء الشعب، بمعني تجنب رفع سعر السولار والغاز الطبيعي وبنزين 80 الذي تستخدمه سيارات السرفيس التي يعتمد عليها قطاع كبير من المواطنين في الانتقال لأماكن عملهم، وكان يكفي في المرحلة الأولي زيادة أسعار بنزين 92 و95، وكان يمكن أيضًا تفعيل استخدام الكروت الذكية لتمويل السيارات وتحديد حصة شهرية لكل سيارة، وفي حالة الزيادة علي الكمية المقررة يتم احتسابها بالسعر الحر. هل يتحمل الفقراء الفاتورة؟ أعتقد ان هذا خيار غير موفق وكان الأولي لتوفير العجز في الموازنة أن يكون ذلك علي حساب الأغنياء ورجال الأعمال الذين تضخمت ثرواتهم واستفادوا من مزايا وتسهيلات منحتها لهم الحكومات المتعاقبة، وكان الأولي لتطبيق اساسيات العدالة الاجتماعية أن يتم اتخاذ قرارات وسنُّ قوانين تُلزم كل من استفاد بدفع الفاتورة المستحقة. حالة الغضب والتذمر التي لمستها بنفسي صباح السبت الماضي تنذر بالخطر، فالمتضرر هو المواطن البسيط الذي ارتبكت حساباته وعجزت ميزانيته، فمثل هؤلاء الذين يشتكون من زيادة أجرة الميكروباص جنيهًا أو نصف جنيه، المؤكد أن مثل هذه الجنيهات القليلة سترهق كواهلهم وستزيد من أعبائهم، والخوف كل الخوف من الجور علي حقوق هؤلاء.. قال لي سائق التاكسي إنه قطع مسافة عشرين كيلومترًا دون أن يركب معه زبون واحد وإذا كان سيتحمل هو ثمن البنزين الذي قطعه علي اعتبار أن ذلك يدخل في أمور الرزق، الا أنه لن يتحمل المبالغ المضاعفة التي سيدفعها جراء الزيادة وتساءل بحسرة: من سيعوضني هذه الخسارة؟. علينا أن ندرك تمامًا أن المواطن البسيط منهك و'مطحون' بما فيه الكفاية، وعلي حكومتنا ان تعمل علي تحصين هؤلاء من غول الغلاء وحمايتهم من قرارات تصيبهم في لقمة عيشهم وصميم حياتهم