بعد 16عاما من حفاظ إنجيلا ميركل على منصب المستشارية بألمانيا، من سيحكم ألمانيا بعد انجازات تلك السيدة التى وصفت بأنها الأقوى فى العالم خلال الفترة الماضية، تلك السيدة التى كانت بمثابة حصان طروادة لحماية واستقرار المصالح الألمانية، وحماية كيان ومصالح الاتحاد الأوربى وشد قاطرته مع فرنسا خلال كل تلك السنوات، ومع كل تلك القوة وتلك الانجازات التى قدمتها تلك السيدة بسياستها ومواقفها فى حل الأزمات والقضايا الأوروبية والدولية ها هو نجمها يتوارى لتفسح المجال أمام الشخصية القادمة التى ستفوز بمنصب المستشارية بألمانيا لمدة 4 سنوات مقبلة، فأى قامة مقبلة ستتمكن من حفظ التوازنات فى ألمانيا وأوروبا بعد نهاية حقبة إنجيلا ميركل؟ فخلال مدة 16 عاما من حكم ألمانيا وتمكنها باقتدار من الفوز بمنصب المستشارية دون غيرها لأربع مرات متتالية عن حزب التحالف المسيحى الديمقراطى المحافظ الذى تنتمى له تميز حكمها بالاعتدال والوسطية والحفاظ على أمن واستقرار وقوة الاقتصاد الألماني، ناهيك عن الإنسانية والمثالية التى تميزت بها تلك الشخصية، ووفقا لآراء المحللين تبدو حصيلة حكمها متفاوتة، فقد شهدت ألمانيا خلال حكمها خمس أزمات كبرى منها أزمتان ماليتان فى منطقة اليورو عام 2008، وعام 2011، ثم أزمة اللاجئين عام 2015، وأزمة جائحة كورونا منذ عامين، وخامسا أزمة المناخ التى كان من أواخر تداعياتها الفيضانات التى ضربت شمال ألمانيا مؤخرا، وبرغم تأثر الاقتصاد الألمانى نسبيا بتلك الأزمات إلا أن الاقتصاد الألمانى خلال عهد ميركل يبدو أحسن حالا عن غيره من الاقتصادات الأوروبية والعالمية، ومن دلائل ذلك انخفاض نسبة البطالة بألمانيا منذ 16 عاما من 11% إلى 6%، وبالتالى فإن محصلة حكمها تبدو ايجابية بعد أن حققت لألمانيا الكثير من المكتسبات برغم الأزمات الاقتصادية الدولية الصعبة، إلا أن تداعيات تلك الأزمات قد تؤثر سلبا على حظوظ مرشح حزبها المحافظ أرمين لاشيت لصالح أولاف شولتس مرشح الحزب الاشتراكى الألمانى وهما اكبر حزبين فى ألمانيا، أو لصالح مرشحة حزب الخضر السيدة/ أنالينا بيربوك. ويوم الأحد القادم الموافق 26 من شهر سبتمبر الجارى يستعد الألمان لاختيار المستشار الذى سيخلف المستشارة ميركل، ووفقا لبعض التحليلات واستطلاعات الرأى التى جرت مؤخرا بالأقاليم الألمانية فإن المهمة لن تكون سهلة أمام خليفة تلك السيدة فمن هى الشخصية المؤهلة لخلافة إنجيلا ميركل؟ وفقا لآراء المحللين يوجد ثلاثة مرشحين هم الأوفر حظا للفوز بهذا المنصب وهم: مرشحا الحزبين الأكبر فى ألمانيا أرمين لاشيت البالغ من العمر 60 عاما عن حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى الذى تدعمه إنجيلا ميركل، وأولاف شولتس مرشح الحزب الاشتراكى الديمقراطي، ثم أنالينا بيربوك 41 عاما مرشحة حزب الخضر الذى ترتكز أجندته على قضايا البيئة والمناخ لتشارك مرشحى الحزبين فى برامجهما الانتخابية وفى التقارب فى نسب نتائج استطلاعات الرأي، يذكر أن هذه هى المرة الأولى التى يخوض فيها حزب الخضر السباق حول منصب المستشار فى ألمانيا، كما يوجد فى السباق مرشحو الأحزاب الأصغر والذين تستبعدهم استطلاعات الرأى عن الفوز بمنصب المستشارية وعلى رأسهم حزب البديل الشعبوي، ووفقا لآخر استطلاع للرأى فان أرمين لاشيت وحزبه الاتحاد الديمقراطى المسيحى متراجع ثمانى نقاط عن الحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى يمثله أولاف شولتس، يليهما فى الترتيب مرشحة حزب الخضر أنالينا بيربوك، ومع ذلك فإن لاشيت تبقى حظوظه قوية لخلافة ميركل، وأما عن أولاف شولتس البالغ من العمر 67عاما فإن الصحافة الألمانية تعتبره السياسى الوسطى والوجه المألوف فى السياسة الألمانية منذ أمد بعيد مثل ميركل، وطالما سعى إلى تقديم نفسه كخليفة طبيعى لها فى السباق الحالي، كما أن العديد من الألمان يعتقدون أن شولتس يتمتع بالسمات التى يريدونها على غرار شخصية وكارزمة إنجيلا ميركل. وفى ظل وضع انتخابى ألمانى متقلب وتقارب فى نسب استطلاعات الرأى بين المرشحين الثلاثة فإن التكهنات فى ألمانيا تشير إلى حظوظ أوفر لمرشح الحزب الاشتراكى أولاف شولتس، هذا الحزب الذى لم يتقدم على المعسكر المسيحى الديمقراطى منذ 15 عاما وذلك بعد أن تمكن شولتس من تطوير الحزب واستعادة شعبيته داخل ألمانيا، ناهيك عن ملف الهجرة واللاجئين الذى سوف يؤثر سلبا على خيارات الناخب الألمانى أى بعدم اختيار لاشيت ممثل الحزب المسيحى الديمقراطي، وأيضا حزب البديل الشعبوى الذى يحمل إنجيلا ميركل وحزبها أزمة الهجرة واللاجئين منذ العام 2015، ثم الوضع الإنسانى المتأزم الآن فى أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية والغربية منها واستيلاء حركة طالبان على الحكم ما أدى لزيادة كبيرة فى عدد اللاجئين والمهجرين المرتقب استقبال ألمانيا لعدد كبير منهم، وانعكاس ذلك سلبا على حظوظ أرمين لاشيت للفوز بالمستشارية لصالح أولاف شولتس مرشح الحزب الاشتراكى الديمقراطى والذى تشير آخر استطلاعات للرأى بتقدمه على كل من أرمين لاشيت مرشح حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطي، ومرشحة حزب الخضر السيدة/ أنالينا بيربوك ما يشير إلى أن تشكيل الحكومة المقبلة فى ألمانيا بعد نتائج الانتخابات المرتقبة سيكون غاية فى التعقيد فى ظل وجود مزيج متقارب بين ثلاثة أحزاب كبار، وهو الأمر الذى لم تشهده ألمانيا منذ خمسينيات القرن الماضي.
