أثارت 2/1 كلمة التي كتبها الكاتب الساخر الكبير والمفكر أحمد رجب حول الراحل حسين بيكار وايقاف العمل في الفيلم التسجيلي حول حياة هذا الفنان.. اثارت هذه الكلمات الذكريات وانتابتني مشاعر جياشة تجاه هذه الشخصية الأسطورية متعددة المواهب ورمز الحب والنقاء و العطاء.. عشت فترة قريبا منه أنعم بالدفء والحنان غارقا في أحاديثه خلال زيارة الجمعة في منزله بالزمالك بعد أن قدمني له الراحل الصديق الحبيب يوسف فرنسيس له كان بيكار يتحدث عن طفولته في الاسكندرية حيث ألهمه البحر التأمل والصفاء والشفافية، فترجم هذه المشاعر بأحلي ما يهبه الله للإنسان من المواهب الفذة.. فرسم وكتب وعزف علي آلة البزق، حدثني عن علاقته الحميمة بوالدته، فتح لي ألبوماته وتحاورت صامتا مع بورتيريهات يخيل لناظرها انها علي وشك البعث من بين الأوراق.. صاحبته وهو يكمل آخر لوحتين الأولي لنوبي يغسل يديه من ابريق ذي عنق طويل تمسك به زوجته لتصب منه الماء، والثانية لشخصه وهو يعزف علي البزق وأوراق النوتة الموسيقية مبعثرة علي الأرض وتجلس عليها قطة تنظر نحوه بشغف شديد كما لو كانت مسحورة بانغامه وتكاد تنطق بالآهات. لكن لا يستمر الصفاء وتبدأ رحلة المرض والألم فيصاب بورم خبيث في البروستاتا ما لبث أن انتشر في عظامه.. يتحمل الآلام المبرحة.. ادخل مسكنه.. اسأل عنه.. أجده في غرفة الطعام جالسا علي احد المقاعد ساندا رأسه بيديه علي المنضدة والغرفة مظلمة كما لو كان يختلي بآلامه ولا يريد ان يشاركه فيها أحد، ويأخذ القرار الأليم بالتوقف عن الكتابة في صحيفة الأخبار »ألوان وظلال« التي كانت رسالة تنوير كما تختفي رباعياته التي كانت كل منها بمثابة مقال بكلمات بسيطة تحمل الحكمة والابداع وتخاطب البسطاء، ومع هذا الاعتذار عن الكتابة يقف موقف الرجل الشامخ فيمتنع عن تقاضي أي مستحقات مالية، واتذكر انه شعر مرة بتعب فقلت له سأحضر إليك، لكنه رفض قائلا لايجب ان استغل صداقتي لتعبك. لقد شكل بيكار وجدان وعقل طفولتنا وطاف بنا سندبادا يجسد الخيال برسوماته في مجلة سندباد، ونتتبع كل ما يكتبه ويرسمه علي أغلقة الكتب، ولاننسي مشاركته في تسجيل نقل معبدي »أبوسنبل« اثناء بناء السد العالي، وقد شرفني بإهدائي واحدة من هذه اللوحات أما عن لوحاته ومواويله التي يصعب حصرها أذكر منها: »غني وصحي الكون بطبلتك يا مسحراتي.. وحيي أهل الحي، وكل جيراني وجاراني نقعد علي الطبلية نتسحر باللقمة الحلال.. ونقول نحمد يارب أنا وعيالي ومراتي« »ياحب يا صرح شامخ ولو انك كلمة من حرفين.. لكني ابتليت بيك ما اعرفش إمتي وفين أنا قبل ما القاك ياحب جرحي كان واحد.. لكن بعد ما صابني سهمك الجرح صار الفين«. »سألت الشمس وانا باودعها ساعة الغروب.. قوليلي بصراحة.. هو غيابك عنا دلال ولا هروب قالتلي بصراحة هربانه من قسوة قلوب الناس.. ومن اللي داير في الأرض من صراع وحروب. »سمعنا أدانك ياشيخ رفعت وفكرنا بالصحابي بلال.. وخلي تسابيحك تزف اعظم شهر وأجمل هلال وقول للمسحراتي يصحي النايم ويدعي له ويقول.. الله يبارك لك يا صايم ويهنيك باللقمة الحلال. »عزيز النفس لما تهاجمه الهموم والمحن.. عارف انه في مدرسة الحياة لازم يمتحن وبدال ما يطلب العون من البشر والناس.. يلجأ لربه اللي ارحم من الجميع وأحن«. النيل اللي طول عمره بيرويكم ويسقي زرعكم.. المارد اللي بيحميكوا م الجفاف وكأنه درعكم ليه خلتوه جبانة رمم ومقلب نفايات.. وليه الشريان في شرع الله اصبح بلاعة ف شرعكم. يا ميت ندامة ويا ألف مليون خسارة.. عليكي يا صانعة التاريخ يا أم الحضارة علمتي الصغار الكلام وعلميتهم الشطارة.. ولما كبروا رموكي بالطوب والحجارة.. هذا هو بيكار رحمة الله عليه.