يحدث ذلك كل سنة بعد عرض تقرير الخطة والموازنة، والموافقة علي القرارات والاجراءات التي تريدها اللجنة والحكومة، يتحول مجلس الشعب إلي مكملة عمومية.. فتح رئيس المجلس باب الكلمات للأعضاء، ليقولوا ما يريدون قوله، الواحد تلو الآخر.. ويتحدث الأعضاء، غالبا من ورقة أعدت لهذه المناسبة، محطة الصرف الصحي الخاصة بدائرتي، بدئ فيها منذ 5 سنوات وتوقف، ولم يستأنف منذ ذلك الحين.. الحالة في الدائرة خطيرة لانتشار الأمراض، هذا أول النواب. اللي بعده: بلدنا لسه محرومة من مياه الشرب النظيفة، الوزير وعد، لكن لا شيء تم. اللي بعده: مياه الري لا تصل لنهاية ترعة.. قمح الفلاحين ضاع السنادي، حايعيشوا إزاي.. اللي بعده: المدرسة الموجودة عندنا ما فيهاش حاجة صالحة، اللي بعده: احنا ماعندناش مدرسة أصلا، التلاميذ بيمشوا 3 كيلو عشان يوصلوا لاقرب مدرسة.. اللي بعده: بلدنا محتاجة مستشفي.. لما بيحتاج مريض لمستشفي بيروحوا بيه مسافة كبيرة.. وهذا يعرض المريض للخطر. اللي بعده: عندنا وحدة صحية لكن الدكاترة مش موجودين، اللي بعده: الكوبري اللي بيربط بلدنا بالمركز قديم وضعيف.. طلبنا اصلاحه أو إنشاء كوبري جديد.. لكن لم يتم شيء. اللي بعده: الميه في بلدنا مخلوطة بمياه المجاري.. الناس تعبانة، مصرف.. الذي يروي منه الفلاحين ناحيتنا الأرض.. بيصرفوا فيه صناعي ومجاري.. وده خطر علي الزراعة.. وهكذا وهكذا.. يمضي أعضاء المجلس في التحدث عن شكاوي دوائرهم، التي هي منشورة كل يوم في الصحف القومية.. والحزبية.. والمستقلة، وفي برنامج »واحد من الناس«.. وأحيانا »مصر النهاردة«. وتستمر حفلة الفضفضة أياما، ولأن هذه الظاهرة تلفت نظري منذ بداية سنوات هذا المجلس.. فإنني ألاحظ أن نفس النواب.. يتحدثون عن ذات المشاكل.. حتي الآن.. خمس مرات! ولذلك وجدتني اسأل نفسي: إذا كان كلام النواب يتكرر سنة وراء سنة.. فماذا يعني ذلك؟ معناه المباشر أن لا أحد يلبي احتياجات الناس.. التي يتحدث عنها- مضطرين- في آخر وقت، قبل انفضاض دور الانعقاد السنوي. عدت اسأل نفسي: ولماذا لا تلبي احتياجات الناس، برغم اجماع النواب علي الحديث فيها؟ تأملت المشهد بتدقيق أكثر، وجدت أن رئيس الجلسة يفتتح الجلسة، ويكر اسماء النواب، الواحد تلو الآخر.. ويتركهم يتحدثون- فقط في حدود الوقت القليل المخصص لكل منهم- لكنه لا يعير التفاتا إلي ما يقولون، ولا وزراء وان تواجد بعضهم، فهم مشغولون بأي شيء إلا الاستماع لما يقوله النواب، حتي النواب أنفسهم لا يستمعون إلي زميلهم الذي يتكلم، فهي مجرد فضفضة فردية.. كل واحد يتكلم عن نفسه.. ولا مشاركة! المفارقة في هذا المشهد.. أن كل الشاكين هم نواب الحزب الوطني.. ولو أن شكاواهم جمعت لكانت عريضة اتهام شاملة لحكومة الحزب الوطني ولجميع وزرائها، لكن الطريف أن هؤلاء الشاكين، يتحولون إلي راضين.. ومبسوطين.. رافعين شعار: كل شيء تمام.. وليس في الامكان أبدع مما كان.. عندما يتقدم نائب معارض باستجواب حول مشكلة من المشاكل نفسها التي تحدثوا عنها.. أو حتي طلب إحاطة! هل غادرنا أسامة أنور عكاشة.. أبدا.. أبدا.. الناس العاديون يختفون بالموت، أما المبدعون فيخلدون ولذلك سيبقي أسامة أنور عكاشة معنا دائما.