د. سمية سعد الدين استدعاني الحب الرومانسي مرة أخري بعد طول انقطاع إلي الحديث عنه.. استدرجني للحوار حوله.. رغم أنني كنت أعتقدت أنه لا الزمان ولا المكان ولا المجال ولا الأجواء النفسية أو الاجتماعية وبالتأكيد السياسية تسمح بهذا الترف. وانه لا ولن يُغفر لمن يحيد عن طريق الثورة، أو مسارها أو حديثها، أو لمن يلتزم التفكير في جانب العواطف أو المشاعر.. فالأعصاب ملتهبة والمخاوف مشروعة، وحالة عدم الاطمئنان سائدة، والعنف مستمر، والتخوين متغلغل، ونار الفتن مشتعلة.. ومن ثمّ فلا حاجة كما تصورت، ولاجدوي كما تخيلت، ولاعائد من الحديث عن المشاعر أو عن قواميس العشق، أو للتفتيش في دفاتر الذكريات! ومع هذا فقد ناداني الحب وتفاصيله الشاعرية للحديث عنه في برنامج " البيوت أسرار " عندما هاتفتني الكاتبة المبدعة والإعلامية المتميزة سهير جودة فهي المحاورة المستغرقة دوما في البحث عن الذات الإنسانية وروعتها من خلال تحليلها العميق والمستمر للعلاقات الإنسانية الراقية التي اعتادت أن تُبحر في تياراتها بأسلوبها المتفرد بحثا عن طوق نجاة رومانسي يلتصق فيه الإنسان بمشاعره الإنسانية، فيتخطي مصاعب الحياة بتفاؤل تنسجم فيه روحه مع عقله في رحلة بحث طويلة عن المعني الحقيقي للحياة، وعن المسار الآمن الذي يؤخذ فيه بيده إلي عوالم تبدأ من الحب الإنساني بأبعاده التي يرتادها بدءا من الحب العادي إلي الحب العاشق إلي الحب المُلهم إلي الحب الإلهي في أروع صورة وأكرم تجلياته! قالت لي الرائعة سهير جودة: "أريدك وضيوفي أن نتحاور في برنامجي الفضائي حول "الحب من طرف واحد".. ماهيته، وطبيعة المحب فيه.. وأعراضه، وأضراره ،الأمل وهل هو موجود أم مفقود؟ والنصح وهل هو مُجد أم مُهلك ؟ وبالفعل بدأنا حوارنا.. كانت البدايه متسللة، اعتقدنا نحن ضيوف البرنامج أننا في "استراحة محارب "بعيدا عن أجواء الثورة.. استغرقتنا الذكريات، والتفاصيل، وقصص العشاق، وأبيات الشعراء، وأغاني الحب، وأحلام الصبايا .! ولكن فجأة وبلا مقدمات ظهرت علي الملأ الحبيبة.. والحبيبة جدا " مصر " أطلت علينا من بوابة الحديث عن الحب والوجد من طرف واحد.. فرضت مصر وجودها علي الحضور.. استقطبت مشاعرنا، استدعت عشقنا، تدللت وتربعت علي قلوب المتحاورين والمتحدثين.. تبارت المشاعر للحديث عن حبها ومناجاتها بالكلمات السهلة الممتنعة.. قادتنا مصر برفق ورومانسية للعودة لحضن ثورتها وثوارها ..ثورتها التي سلّمت لها كيانها واستسلمت لنداء حبها وثوارها من العاشقين لها، الذين أمطروها حبا وقُبلا وشعرا وغناء وطربا وإخلاصا وتدلها.. فطرحنا سؤالا غامضا حول هل حُب الثوار الذين اتقنوا فن حب مصر، وأجادوا عشق ترابها ،واستماتوا للتعبير عن نبل إخلاصهم لها هل كان حبا من طرف واحد؟ أخذتنا مصر لمشاعر الحب غير المحدود.. والولّه الممتد رغم القيود.. والتفاني في المعشوق رغم أحيانا بُعد الحدود.. والانتماء اللانهائي رغم صعوبة القائم والموجود ! استرجعنا كلمات كل من كتبوا عن حب الجميلة مصر.. وغنوا في عشق الرائعة مصر، وكل من استشهدوا من أجل إثبات حالة هيامهم بالغالية مصر، وعن كل الحالمين الجُدد بموال حب مصر، وكل الواقفين علي بوابات مصر ،وكل الزاحفين للتحريض علي عشق مصر .. واكتشفنا أن الحب من طرف واحد قد يكون من امراة لرجل أو من رجل لامرأة أو حتي من ثائر لوطن.. وأن ما يجمع الكُل هو العذاب والألم والأمل واليأس والرجاء.. ولكنه في النهاية قد يكون هو الحب المكتوب والقدر المرصود.. وأن الفوز النهائي في الوجود هو الترفُع إلي درجات العشق الإلهي للرب الواحد الموجود المعبود.. رب كُل القلوب ! مسك الكلام .. في حب مصر..نحيا ونستشهد ..ونرتقي ونعشق.. ونقترب ونغترب.. ولحضنها نعود فتعود !