كانت المدرسة الثانوية في الستينيات، مدرسة متميزة بالانضباط في كل مستويات الدراسة في مصر سواء ثانوي عام أو تجاري أو زراعي أو صناعي، كما كان التقسيم الذي بدأ في أوائل الخمسينيات مع مباديء ثورة يوليو، والاعتماد علي شباب الوطن من الخريجين في المؤهلات المتوسطة لتحمل المسئولية في شركات القطاع العام والخدمات الحكومية، ومشروعات الثورة العملاقة مثل السد العالي والحديد والصلب والكيماويات والانتاج الحربي ومشروع الاصلاح الزراعي، وغيرها من صناعات كانت وسيلة الثورة وأهدافها في نفس الوقت للتنمية ونقل البلاد من صفة الدولة الزراعية إلي دولة صناعية، حتي انه قيل بأننا ننتج من »الأبره للصاروخ«. ولعل مادة التربية العسكرية التي كانت مقررة ضمن مناهج التعليم الثانوي، كانت هي المؤثرة والمهيمنة علي المدرسة الثانوية، حيث مع استلام الطالب للكتب في أول كل عام تسلم ملابس التربية العسكرية »الفتوة« كما تسمي، ويشرف عليها هيئة الفتوة، وكان مقرها في أحد القصور القديمة بضاحية جاردن سيتي وأتذكر بأن أول من تعين لإدارتها اللواء »جمال نظيم«، كانت تلك الملابس »يونيفورم« عبارة عن، بنطلون أزرق وقميص رمادي غامق، »وقايش« حزام عسكري، و »جدر« حامي لقصبة الرجل، وشرابات، وحذاء عسكري، وكاب أو باريه وكانت حصة التربية العسكرية، يقوم بها أحد الضباط الاحتياط ويعاونه عدد من صف الضباط، ومقرهم في كل مدرسة، وكانت المدرسة تسمي كتيبة المدرسة، والفرقة الدراسية تسمي »سارية« والفصل يسمي »فصيلة« طبقا لمسميات القوات المسلحة وتنظيمها الإداري، وكان الانضباط في كتيبة المدرسة في جميع مدارس الجمهورية شيء يشهد له في نهاية العام بشهادات تقدير وجوائز قيمة يقوم بتسليمها مدير مديرية التعليم في المنطقة مع ناظر المدرسة مع قائد القوة أو التربية العسكرية، وكان يقام معسكرات في نهاية الاسبوع للتدريب والترفيه وللعمل الاجتماعي والذي كان يستهدف نظافة المدرسة أو الشوارع المحيطة بالمدرسة، كما ان الانشطة المدرسية تؤهل المعسكرات الصيفية ومعسكرات عمل شارك فيها شباب المدارس الثانوية في زراعة الصحراوات في الوادي الجديد، وشمال وجنوب التحرير »طريق مصر إسكندرية الصحراوي« وأسفل هضبة المقطم خلف قلعة صلاح الدين، كما ان »معسكر المكس« كان من اشهر معسكرات الفتوة التي كانت تقام علي شكل افواج طيلة شهور الصيف لإستقبال آلاف من الطلبة من جميع أرجاء الجمهورية، وكانت معسكرات أبي قير لإستقبال فتيات، المدارس الثانوية في جميع مديريات التربية والتعليم في الجمهورية. ولعل من ابرز الانشطة التي شارك فيها طلاب المدارس الثانوية، هو ذلك العرض العسكري الذي يدخل ضمن فقرات العرض يوم 32 يوليو أمام المنصة التي شيدت خصيصا لهذا العرض العسكري الذي كان يحرص الرئيس جمال عبدالناصر علي حضوره والتي شاء الحظ ان نفقد الشهيد الرئيس محمد أنور السادات في عام 1891 في نفس العرض وتحت نفس المنصة في يوم 6 أكتوبر أثناء العرض العسكري الذي حل تاريخه الجديد »6 أكتوبر« بديلا من 32 يوليو »عيد ثورة يوليو«. هذه الملامح كانت هي التي يسعي كل طالب في منهج التربية العسكرية ان يكون لديه الطموح في الترقي »لرتبة الجاويش«، وكان يسمي شاويش المدرسة والتي كانت شرفا عظيما وشيئا نفتخر به كشباب وكان السلاح والعلم هما رمز الانتماء لهذا الوطن وحافز النجاح وصانع الرجوله المبكرة لدي شبان لم يتعد عمرهم الثماني عشر عاما منتهي الانضباط، اين ذلك من اليوم!!