يشهد العالم حربا تجارية وتكنولوجية تكاد تكون الأولي من نوعها، لأنها ليست بين شركات متنافسة، ولكنها بين دولتين عظميين، الولاياتالمتحدة، والصين.. وقد تشعل فتيل الحرب العالمية الثالثة. ترامب شعر بأن بلاده في خطر بعد التطور التكنولوجي الكبير الذي تقوم به الصين في مجال الاتصالات، والذي يمكن أن يؤثر سلبا علي صناعة الأسلحة التي تعتمد عليها الولاياتالمتحدة في دخلها القومي، فكل الأسلحة الحديثة التي تنتجها بلاده تستخدم تكنولوجيا الاتصالات، الرئيس الأمريكي أصدر قرارا بوقف تصدير التكنولوجيا الأمريكية للصين وبخاصة تطبيقات »جوجل» إلي شركة »هواوي» التي تمولها الحكومة الصينية. بدأت أمريكا هذه الحرب التكنولوجية منذ عدة أشهر لعرقلة تطور الشركة الصينية التي علي وشك أن تصبح الأولي عالميا في تقنية وتطبيقات تكنولوجيا ال 5G التي ستحدث ثورة علمية في عالم الاتصالات وسرعة الإنترنت، التي ستساعد علي الدقة والسرعة الفائقة في تحليل المعلومات مما سينعكس علي إحداث طفرة في كل المجالات العلمية والهندسية والطبية والبيئية والاقتصادية. وقد قطعت الصين متمثلة في شركة هواوي شوطاً كبيراً في تطبيقات ال (5G) في حين أن أمريكا كان لها السبق في أبحاث ال (5G). وتري الولاياتالمتحدة وهي محقة أن ذلك يمثل خطرا غير مقبول علي الأمن القومي الأمريكي، فأعلنت ما أطلقت عليه »حالة طوارئ وطنية»، تمثل أول إجراءاتها في حظر تعامل الشركات الأمريكية مع »هواوي». لم تقف الصين مكتوفة الأيدي ورفضت قرارات التحدي التي اتخذتها أمريكا، وقال مؤسس ورئيس شركة »هواوي» »رين جينجفي» إن الممارسات التي يقوم بها السياسيون الأمريكيون تسيء تقدير قوة بلاده في مجال الاتصالات، ووعد بعدم تأثر مسيرة شركته في تطبيقات الجيل الخامس، مؤكداً أنه لا أحد سيتمكن من اللحاق بشركته في هذا المجال ويمكن أن يستغرق من المنافسين 3 أعوام للوصول إلي ماوصلت إليه شركته الآن!. أمريكا تدافع عن ريادتها في أبحاث الاتصالات، والصين لن تتنازل عن فوزها في مجال تطبيقات الاتصالات، والحرب لن تنتهي ولن يكون هناك خاسر وفائز، وقد تشعل الدولتان فتيل حرب عالمية ثالثة. ربما تلوح الصين خلال هذه المناوشات التكنولوجية بإغلاق مصانع إنتاج شركة »أبل» من أجهزة المحمول والكمبيوتر في الصين، وقد يكون ذلك ضربة موجعة لهذه الشركة الأمريكية الكبيرة ، فهذا يعني أنه سترتفع أسعار أجهزة »أبل» ضعفين أو ثلاثة علي الأقل، فالأيدي العاملة الصينية أرخص بكثير من الأمريكية ومن نظيراتها في دول أخري. وأغلب الظن أن ترامب لن يتراجع عن قراراته المتسرعة بشأن عقاب شركة هواوي، والصينيون لن يقفوا مكتوفي الأيدي وعاجزين عن توفير بديل أو الحصول علي التكنولوجيا الأمريكية! فعلي عكس كل دول العالم فإن الصين لا تعاني عجزاً في ميزانيتها بل تعاني من فائض ووفرة في الإنتاج، مما دعا السلطات الصينية إلي السماح بإنجاب أكثر من طفل لكل أسرة، بعد أن كان المسموح طفلا واحدا فقط لكل أسرة، وهذا يعني أنها لا تعاني من أي مشكلة اقتصادية، إذاً فالولاياتالمتحدة أمام عملاق اقتصادي لا يستهان به، وسوق قوامه مليار و500 مليون نسمة هم عدد سكان الصين، القابلين للزيادة بعد السماح بزيادة النسل.
وسط هذه الحرب التكنولوجية الضروس التي كشف عنها الخوف الأمريكي وقرارات الحماية والمنع التي اتخذها ترامب، فإن سوق العمل سيتغير وخريطة التعليم أيضا ستتغير، وستختفي وظائف، وستظهر وظائف أخري نتيجة »الذكاء الاصطناعي»، وهذا يستدعي من الدول والشعوب الاستعداد لاستقبال هذا المد والفيضان التكنولوجي والتعامل معه والاستفادة منه. وأتذكر أن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت قد قال لي ونحن في الصين أثناء زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لبكين، إن فرنسا قد اختفي منها500 ألف وظيفة بسبب التكنولوجيا الجديدة، وفي المقابل ظهر بسوق العمل بها مليون وظيفة جديدة.. ولهذا يجب أن يتغير تفكير الجيل الجديد من الشباب حتي يتواكب مع عصر التكنولوجيا الجديدة. وقد أحسنت حكومتنا بالسير قدماً بخطي مدروسة بتطبيق التكنولوجيا والتعامل الرقمي في كل المجالات، والتي بدأها وزير التربية والتعليم د. طارق شوقي ويصر علي استخدام التابلت في الامتحانات رغم الهجوم الشرس الذي يتعرض له، إلا أنه يستشرف المستقبل ويعلم أن أبناءنا إذا لم يواكبوا التكنولوجيا ولم يتعلموا التعامل بالأساليب الحديثة فلن يكون لهم مكان في سوق العمل. وفي نفس الاتجاه تسير البنوك في تعاملاتها لإلغاء التعامل بالكاش.. أما في مجال البناء والتعمير فإن كل المدن الجديدة التي تبنيها الدولة يتم تأسيسها علي النظام الذكي والتي تعمل كل مرافقها بالتكنولوجيا الرقمية. لم تعد القنابل والمدافع والطائرات والغواصات هي فقط أسلحة الحروب، بل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات هي أسلحة الحرب العالمية الثالثة في القرن الجديد. آخر كلمة الأمم لا تتقدم إلا بالعمل والعلم