ما أعذب السياحة في عالم هؤلاء الفضلاء الذين أحبوا الله فأحبهم الله، هؤلاء الذين لم يبهرهم بريق الحياة ومافيها من إغراءات.. فهي دنيا زائلة لا تدوم لأحد.. والنهاية هي الموت ومقابلة وجه الله الكريم. ولنقف عند بعض الومضات الرائعة كما قرأتها في كتاب »والموعد الله» لخالد محمد خالد: »ولنطالع هذا النبأ وبطله صفوان بن سليم.. قدم سليمان بن عبدالملك المدينة وأم مسجدها فرأي في زاوية من المسجد رجلا يصلي.. فبهره سمته فسأل عنه فقيل له: إنه صفوان بن سليم، فأمر تابعه أن يذهب إليه بكيس فيه خمسمائة دينار ووقف التابع بعطاء الخليفة أمام صفوان وقال له: إن أمير المؤمنين يرسل إليك هذه.. تعجب صفوان وقال له: لقد أخطأت ياولدي لست أنا الذي أرسلك إليه. قال التابع: أو لست صفوان بن سليم؟ لقد أشار بيده نحوك وسماك لي باسمك. قال صفوان: إذن فاذهب واستوثق منه مرة أخري.. وعاد التابع صوب الخليفة الجالس هناك في ركن قصي من المسجد.. وعندئذ تسلل صفوان من المسجد واختفي من المدينة كلها.. ولم يظهر فيها إلا بعد أن غادرها الخليفة سليمان». ويعلق خالد محمد خالد علي هذه الحكاية بقوله: »هذا نبأ يغني عن أنباء كثيرة، لنري كيف وإلي أي مدي وبأي صدق كانوا يرفضون الهبات الملكية ويهربون منها.. لقد كانوا يرون في قرع أبواب ذوي السلطان والحكم نقصا في الدين لا يكاد يضاهيه نقصان هاهو ذا »جعفر الصادق» رضي الله عنه يقول: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتموهم يقرعون أبواب السلاطين فاتهموهم». ويقول في موضع آخر من الكتاب: في أهل الله وأوليائه أكثر المؤمنين والعابدين التزاما بشريعة الله.. ومن ثم كان ارتباطهم الروحي الذي لاتهدأ أشواقه إلي ذكر الله وإلي الصلاة.. كما ينهض الذكر لديهم معيارا لاستقامة الضمير والمسير فكذلكم الصلاة». .. ما أجمل السياحة في عالم هؤلاء الناس الكرام.. هؤلاء الذين عاشوا في ظلال الحب الإلهي وإيمانهم بأن ماعند الله خير وأبقي.. وأتذكر هنا كلمة مضيئة لمالك بن دينار: كن ملكا في الدنيا والآخرة.. ازهد في الدنيا تكن كذلك.