قرأت إعلانا لشركة مدينة نصر للإسكان والتعمير يقول: إنه يطرح للمواطنين شققا بمساحات تبدأ من 531 مترا مربعا.. وبقسط شهري يبدأ من 0072 جنيه.. في إحدي المناطق الصحراوية بالقرب من الطريق الدائري. سأترك تفاصيل الإعلان الأخري وأركز مع حضرات القراء علي القسط الشهري الذي يسدده المواطن ويبدأ من 0072 جنيه.. هذا المبلغ هو الحد الأقصي تقريبا لمرتب أكبر موظف في الدولة.. كيف يدبر الشاب أو الموظف مثل هذا المبلغ.. والذي هو قسط شهري.. هذا نموذج فقط من شركات الإسكان التي أنشأتها الدولة لكي تيسر علي المواطنين الحصول علي وحدة سكنية محترمة يعيش فيها.. كانت شركات قطاع عام.. ثم جري عليها ما جري من خصخصة أيام المتهم حاليا عاطف عبيد.. والذي كان وقتها وزيرا لقطاع الأعمال.. وباع الشركات.. ودس للشعب السم في العسل.. وأصبحت الشركات العامة التي تملكها الدولة وتوفر لها مزايا عديدة دعما ماليا.. ودعما لوجيستيا.. وأرضا ممتدة بلا صاحب.. فكانت شركة مصر الجديدة صاحبة الامتياز علي منطقة مصر الجديدة وما حولها.. وكانت شركة مدينة نصر صاحبة الامتياز علي منطقة مدينة نصر وما حولها أيضا.. وهكذا سيطرت مثل هذه الشركات علي الأراضي ومدت ذراعها إلي أبعد من ذلك.. حتي استولت علي الصحراء المحيطة بالقاهرة.. وأصبحت هي المتصرف نيابة عن الدولة فيها.. وتضخمت في الوقت الذي كان فيه مخطط الخصخصة يسير وفق الخطة المرسومة لينتقل بمزاياه إلي أصحاب الحظوة الذين اشتروا جميع الأسهم في تلك الشركات.. وأصبحوا يملكون ثروة لم يتعبوا فيها.. فجأة أصبح العضو المساهم مليونيرا.. وأصبح عضو مجلس إدارة الشركة مليارديرا.. وامتد الجشع تحت ستار قوانين فاسدة صدرت دون رغبة الشعب ليسيطر هؤلاء الحكام الجدد فيما لا يملكون.. واستولوا علي عدة كيلومترات من أراضي الدولة.. وكم كانت سعادتي عندما قرأت في الصحف شهادة الدكتورة أميمة صلاح الدين رئيس هيئة التفتيش الفني علي أعمال البناء بوزارة الإسكان واللواء عمر الشوادفي رئيس المركز الوطني لاستخدامات الأراضي.. عندما أكدا لرئيس نيابة الأموال العامة أن شركة مصر الجديدة استولت علي حوالي 3 كيلومترات مربعة من الأراضي دون وجه حق. كل هذا الفساد في هذه الشركات يجب أن يواجه بحدة.. لقد سيطروا علي أفضل أراضي مدينة نصر ومصر الجديدة وباعوها وكسبوا منها واختصوا أنفسهم بالأرباح.. وخرجت الحكومة من المولد بلا حمص.. وأكلت الشركات التورتة بلا رحمة.. وليس للحكومة الآن إلا أن تغسل »الأطباق والشِوَك«.. والمواطن الباحث عن شقة عليه أن يبحث عن قرض يسدد به مقدم الشقة.. وأن يسرق ويرتشي حتي يمكنه سداد القسط الشهري الذي لا يقل عن 0072 جنيه.. ياناس حرام.. هذه الشركات أنشئت كي توفر للمواطنين شققا مناسبة لدخولهم وحياتهم.. وهذا ما حدث في الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات.. لكن الآن.. كل شركة تمسك بالساطور تقطع به رقبة الباحث عن شقة تؤويه.. بينما وزير الإسكان يتفرج.. وكأنها حلبة المصارعة اليونانية القديمة.. يجلس الحاكم.. ويطلق في الحلبة اثنين من أشد الفرسان يتصارعان حتي الموت.. وهو يضحك ويقهقه لأن كل فارس يسعي لقتل الآخر.. حتي ينتهي الصراع بمقتل أحدهما.. أو كليهما!.. ان مسئولية الوزير أن يتحرك ليصحح الأوضاع.. لقد مضي عليه 9 أشهر في كرسي الوزارة دون أن نري عقد تسليم شقة واحدة لمواطن.. يبدو أن الوزير البرادعي وبخبرته السابقة كمحافظ فطن إلي أنه »مؤقت«.. وأن من سبقاه في السجن الآن.. وأن الأفضل أن تمر المدة دون أن يوقع علي أية ورقة.. وأنا أتفهم مثل ذلك.. وهم كُثر الآن في مختلف مواقع الحكومة.. وعلي رأي المثل »اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي«! لكن الاستراتيجية التي أعلن عنها بناء مليون وحدة سكنية وحكاية الإسكان الاجتماعي.. وحكاية مساحة ال 63مترا مربعا للشباب.. لم تنجح سابقا.. ولن تنجح لاحقا.. ولابد من إعادة النظر فيها.. لأن أي شاب يحتاج إلي حوالي 09 مترا يبدأ بها حياته الزوجية الكريمة.. لقد نجحت القوات المسلحة في توفير وحدات لأفرادها.. واستطاعت أن تقضي علي مشكلة السكن المناسب لهم.. وكذا الشرطة.. وإن كان الكثير منهم يبيع الميزة التي يحصل عليها من جهة عمله لاحتياجه للمال.. وعدم احتياجه للسكن مثلا.. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة.. لماذا لا تستفيد الحكومة من قدرات القوات المسلحة في بناء مشروعات إسكانية للمواطنين.. صحيح انها تبدأ قريبا علي استحياء في بناء 25 ألف وحدة سكنية بالقاهرة والاسكندرية.. لكن السؤال يستمر.. ولماذا لا تبادر القيادة العليا للقوات المسلحة بتقديم خدمة »السكن المناسب للمواطن« كأحد المشروعات الخدمية المتعددة التي تقدمها القوات المسلحة للشعب.. مثل المخابز والسلع المختلفة بمجمعات جهاز خدمة المدنيين.. وأيضا فنادق ونوادي القوات المسلحة التي أصبح لها سمعة عالية أكثر من الفنادق 7 أو 5 نجوم. لقد فشلت وزارة الإسكان في توفير السكن المناسب للمواطنين.. وأصبحت مشكلة الشقة هي الأساس في عزوف الشباب عن الزواج..وهي المشكلة الأولي التي تواجه المواطنين.. ولا أعرف سببا لعدم بحث ودراسة المشكلة بعناية من وزارة الإسكان.. ولا أعرف سببا لفشل الحكومة في استيعاب طلبات المواطنين في المدن العمرانية الجديدة! أعتقد أن رجال الأعمال الشرفاء مع الحكومة يمكنهم بناء مدينة جديدة علي أطراف القاهرة تسمي »مدينة الثورة« أو مدينة الثوار.. من خلالها يجد شباب مصر شقة مناسبة وعملا يناسب تخصصه.. وبهذا نكون قد ضربنا سماسرة الاستثمار العقاري وجشعهم في مقتل.. ولينتهي عصر شركات الإسكان التي تبيع الوهم للناس.