تعطلت سفينة صغيرة قبل ان ترسو علي ميناء واحدة من دول الكتلة الشرقية، فشل طاقم السفينة الفني في اصلاح العطل الذي اصاب محركها، شركات الصيانة بالميناء اشارت علي قبطان السفينة باستبدال المحرك بآخر جديد، احد عمال الميناء دل القبطان علي مهني عجوز عمل في اصلاح المحركات منذ ان كان شابا يافعا. جاء الفني العجوز بأدواته، أخذ فترة طويلة في فحص المحرك، راقبه طاقم السفينة لمعرفة ما يفعل، اخرج المهني العجوز من حقيبتة مطرقة صغيرة اخذ يطرق بها بهدوء وبطرقات محسوبة علي احد التروس، اعاد المطرقة لحقيبته وأمر بإدارة المحرك فأنطلق يعمل بلا ضوضاء، سأله قبطان السفينة عن تكاليف الاصلاح فطلب عشرة آلاف دولار، صعق القبطان من المبلغ الذي يتجاوز حجم الجهد المبذول، بادر المهني العجوز بقوله " عشرة آلاف دولار مقابل طرقات خفيفة علي احد تروس الماكينة ؟ !، من فضلك اعطنا فاتورة تفصيلية، كتب الرجل الفاتورة بالمبالغ التالية " 200 دولار للطرق بالمطرقة، 9800 دولارا لتحديد المكان الذي يجب ان يتم الطرق به "، اختتم المهني العجوز ذيل الفاتورة بالعبارة التالية " يا عزيزي القبطان، العبرة ليست في حجم الجهد المبذول .. العبرة في تحديد المكان الذي يجب ان تبذل فيه الجهد بدقة " . ليتنا نتأمل ما تحمله من دلالات ومعان، فنحن كشعب، وقوي وائتلافات واحزاب، نبذل كم كبيرمن الجهد في تنظيم المليونيات التي تحمل في كل جمعة مسميات وشعارات تهتف بها الحناجر، فتزداد مساحات الشرذمة والفرقة بين منظميها ومن يعترض عليها، في احيان كثيرة تنفض المليونية بصدام غير مستحب في تلك الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، نبذل الجهد في الاضرابات والاعتصامات وقطع الطرق، لنحقق المزيد من الهدم وتعطيل المصالح بدلا من تحديد المكان الصحيح الذي يستوجب ان نبذل فيه ما لدينا من جهد لاعادة بناء النظام الجديد الذي يستوجب منا ان نتوافق علي ملامحه وجوهره ومعطيات قيامه واليات تشكيله دون اقصاء من احد لأحد، ودون استخدام للالفاظ الخشنة التي تنم عن فقدان اصحابها لأليات ومتطلبات اللياقة في ممارسة اللعبة السياسية القائمة علي المفهوم الحقيقي للممارسة الديموقراطية . نبذل كما كبيرا من الجهد في تخريب الاقتصاد ليصبح نزيف الخسارة بالمليارات في البورصة يوميا، نبذل كما كبيرا من الجهد لضرب جهاز الشرطة في الوقت الذي نصرخ فيه من انعدام الامن، نسهل بذلك ما يريده البلطجية لممارسة الفوضي والجرائم التي يرتكبونها في وضح النهار، ان واجهت الشرطة ظاهرة البلطجة وحاولت اعادة الانضباط للشارع خرج علينا جنرالات الفضائيات المهيجة والمحرضة والمنتفعة لتتهم الشرطة بالافراط في استخدام العنف! نبذل كما كبيرا من الجهد في التركيز علي محاكمات رموز النظام السابق، ونحشد الطاقات للطعن في حيادية القضاء، ونعمل علي توجيه الرأي العام المساق بالتعبئة الفضائية لاتخاذ مواقف مسبقة ضد اي احكام يصدرها القضاء بما لا يرضي من يريدون احكاما توافق ما بداخلهم من رغبات واهواء، نضيع الجهد في الماضي بدلا من ابتكار الاليات التي تخرجنا من ازمات الحاضر، والتعاطي مع المستقبل برؤي منهجية بعيدا عن روح الكراهية والاقصاء والاستبعاد والانتقام . الجهد المبذول في الطرق علي لا هدف محدد، أو هدف غير مثمر أو مفيد، هو جهد ضائع ليس له ثمن يذكر، أما الجهد المبذول في المكان الصحيح الذي يصل بنا للهدف بدقة فهو ما ينادينا الان .