اكتب هذه الكلمات عقب حضوري اليوم الأول لفعاليات مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي في نسخته الخامسة، يكفي شعار هذا المؤتمر، وهو »التصنيع.. طريق المستقبل» لكي يوضح مدي أهميته القصوي بالنسبة لبلدنا. المفترض أن يحظي القطاع الصناعي بالاهتمام الأكبر بوصفه المحرك الأمثل كقاطرة للتنمية والركيزة الأساسية لمرحلة الانطلاق الانتاجي. ولسنا في حاجة إلي التأكيد علي أهمية الصناعة في توليد الناتج المحلي الاجمالي في القطاعات المختلفة وفي الاستثمار وتوفير فرص العمل وفي الصادرات. وفي بلد كمصر، حيث النمو السكاني الكبير ومحدودية الموارد، تصبح الصناعة هي محور الارتكاز للنشاط الاقتصادي، لأن الصناعة تتحرر من قيود الموارد بدرجة أكبر من أغلب القطاعات الانتاجية، كالزراعة والتعدين، كما أنها شديدة الارتباط بالقطاعات الأخري، رغم أن الصناعة - كنشاط اقتصادي- تتميز عن كل من الزراعة والخدمات، من حيث طبيعة ودرجة سيطرة الإنسان علي مقدراته، وتتيح امكانية أكبر لتطبيق انجازات العلم والتكنولوجيا، وبالتالي توفر فرصة أفضل لرفع مستوي انتاجية العامل وتحسين مستوي المعيشة. وهناك من يربط هذه الأهداف بالقدرة الأكبر للتصنيع علي تنمية العقل البشري والارتقاء بالمهارات واستيعاب نسبة أكبر من العمالة وتوليد قيمة مضافة مرتفعة وتحقيق وفرة اقتصادية. ومعلوم أن تقلص قدرة الصناعة علي الوفاء باحتياجات الاستهلاك المحلي من السلع المصنعة يؤدي إلي زيادة الاعتماد علي عالم خارجي يسوده الاضطراب في الحصول علي هذه السلع. اننا في حاجة إلي الخروج من صناعة »التجميع» التي لا تأخذ علي عاتقها التصميم والتطوير والبحث والابتكار. ونريد صناعة يرتفع بها المحتوي العلمي والتكنولوجي وتنتج لنا كل المكونات اللازمة للسلعة المصنعة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا. ومن الخطأ أن تركز المشروعات الصناعية- بدلا من توطين التكنولوجيا- علي انتاج السلع الاستهلاكية علي حساب انتاج السلع الاستثمارية والوسيطة والتي تزيد من الطاقات الانتاجية وتساعد في تطوير الصناعة باتجاه التصدير للخارج، مما يفرض مداومة العمل علي رفع القدرة التنافسية للصناعات المحلية في السوق العالمية وزيادة مساهمة الصناعة في الصادرات السلعية، كما يفرض توفير الحوافز المناسبة لجذب الاستثمارات في القطاع الصناعي. ان جوهر التصنيع هو خلق »البنية الصناعية» ومن هنا، فإن القاء العبء الأكبر في إنشاء الصناعات علي القطاع الخاص وحده لا يحقق أفضل الظروف لانجاز مهمة التصنيع ولابد أن تضطلع الدولة بدور فاعل في هذا المجال، وهو ما تؤكده تجربة الدول حديثة التصنيع في شرق آسيا.