تحققت مخاوف الحكومة الإسرائيلية حين اندلعت يوم الجمعة الماضي باكورة مسيرات الاحتجاج الشعبي علي موجة غلاء الأسعار التي بدأت في الصيف قبل عدة أشهر، وتواصلت قبل أيام تمهيداً للموجة الجديدة المتوقعة في الشهر القادم مما أشعر الإسرائيليين بأن عام 2019 سيكون عاماً قاسياً علي جيوبهم وسيسحب من أرصدتهم المصرفية. ارتدي المحتجون الذين قدرت أعدادهم بالمئات السترات الصفراء في محاكاة لاحتجاجات باريس، وقاموا بإغلاق بعض الطرق في تل أبيب وتجاوزوا الحواجز التي وضعتها قوات الأمن مما أدي إلي مواجهات انتهت باعتقال عشرات من المحتجين بتهمة تكدير السلم العام. وقد تعهد منظمو مسيرات الاحتجاج بمضاعفة اعدادهم في مسيرات اسبوعية لتصل إلي عشرات الآلاف حتي تلبي الحكومة مطالب المحتجين. شملت مطالب المحتجين وقف ارتفاع الأسعار لاسيما اسعار الكهرباء والمياه التي أثرت بدورها علي أسعار الغذاء، تفكيك الاحتكارات بالقوة، تخفيض مستوي المعيشة الذي يثقل كاهل الإسرائيليين. كانت شركة »أوسم» وهي ثالث شركة اسرائيلية للمنتجات الغذائية من حيث الحجم قد اعلنت في الأسبوع الماضي انها سترفع أسعار منتجاتها كما انه من المتوقع ارتفاع أسعار الكهرباء بنسة 8،1% في الشهر القادم. تنضم موجة الغلاء الحالية إلي الي موجة سابقة بدأت قبل بضعة أشهر بارتفاع أسعار الأرز والحليب والدجاج الفواكه والخضروات وباقات الاتصالات وتعد موجة الغلاء الحالية هي الأعلي منذ عام 2014. اكتسبت الاحتجاجات الحالية بعداً سياسياً إضافة إلي بعديها الاقتصادي والاجتماعي بسبب توقيت اندلاعها الذي يأتي وسط جدل اقتراب الانتخابات العامة ومنافسات الأحزاب، وتأكد هذا البعد بعد ظهور وزير المالية موشيه كحلون مع المحتجين مرتدياً سترة صفراء مثلهم ما أعطي انطباعاً بأن السياسيين يستغلون الاحتجاجات الاجتماعية في مغازلة الجمهور. وقد ألهب هذا الظهور أعصاب المحتجين لأنه جاء بعد الانتقادات التي وجهها منظمو الاحتجاجات لإعلان كحلون ووزير الاقتصاد إيلي كوهين يوم الأربعاء الماضي عن تشكيل لجنة طارئة لفحص غلاء المعيشة في إسرائيل والنظر في ادخال تعديلات من شأنها تحسين الاقتصاد الإسرائيلي الأمر الذي صبغ الخطوة الوزارية بالانتهازية لخدمة الأغراض الانتخابية للوزيرين. تتجاوز التبعات السياسية للاحتجاجات الحالية مسألة الانتهازية الانتخابية، فتلقي بثقلها علي مائدة الائتلاف الحكومي وتعيد اليها القضية الاجتماعية - الاقتصادية بما يهدد وضع رئيس الوزراء نتانياهو الغارق في مشاكله القضائية والحزبية، لذلك يستبد الخوف بأعضاء الائتلاف الحاكم من تدحرج كرة النار لتصل إلي قلب الحكومة فتتصاعد الاحتجاجات والمطالب سريعا لتتحول إلي المطالبة بإسقاط الحكومة واجراء الانتخابات المبكرة. كانت الدولة العبرية قد شهدت أكبر مسيرات احتجاج منذ قيامها في 2011 لمقاومة ارتفاع اسعار العقارات وغيرها واقيمت مخيمات الاحتجاج في تل أپيپ والعديد من المدن الإسرائيلية الأخري واضطرت الحكومة للرضوخ لمطالب المتظاهرين وتراجعت عن رفع اسعار المساكن.