إن الله يريد ان يلفت خلقه الي أنهم إذا أرادوا ان يصلوا الي الهدف الثابت الذي لا يتغير فليأخذوه عن الله وإذا أرادوا ان يتبعوا الطريق الذي لا توجد فيه أي عقبات أو متغيرات فليأخذوا طريقهم عن الله تبارك وتعالي، إنك إذا أردت باقيا فخذ من الباقي وإذا أردت ثابتا فخذ من الثابت ولذلك كان قوانين البشر في تحديد أهدافهم في الحياة وطريقة الوصول إليها قاصرة علمت أشياء وغابت عنها أشياء ومن هنا فهي تتغير وتتبدل كل فترة من الزمان، ذلك ان من وضع القوانين من البشر له هدف يريد ان يحققه ولكن الله جل جلاله لا هوي له فإذا أردت ان تحقق سعادة في حياتك وأن تعيش آمنا مطمئناً فخذ الهدف عن الله وخذ الطريق عن الله فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل والله قد حدد لخلقه ولكل ما في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته والذين لا يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم ويتعبون مجتمعهم ولا يحققون شيئاً. إذن فالهدف يحققه الله لك والطريق يبينه الله لك وما عليك إلا أن تجعل مراداتك في الحياة خاضعة لما يريده الله، ويقول سبحانه وتعالي: »هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ»، ما معني المتقين؟ متقين جمع متق والاتقاء من الوقاية والوقاية هي الاحتراس والبعد عن الشر لذلك يقول الحق تبارك وتعالي: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» »التحريم: 6». أي أعملوا بينكم وبين النار وقاية، احترسوا من أن تقعوا فيها، ومن عجيب أمر هذه التقوي انك تجد الحق سبحانه وتعالي يقول في القرآن الكريم والقرآن كله كلام الله: »اتَّقُوا اللَّهَ»، ويقول: »اتَّقُوا النَّارَ»، كيف نأخذ سلوكا واحدا تجاه الحق سبحانه وتعالي وتجاه النار التي سيعذب فيها الكافرون؟! الله تعالي يقول: »اتَّقُوا النَّارَ»، أي لا تفعلوا ما يغضب الله حتي لا تعذبوا في النار فكأنك قد جعلت بينك وبين النار وقاية بأن تركت المعاصي وفعلت الخير. وقوله تعالي: »اتَّقُوا اللَّهَ»، كيف نتقيه بينما نحن نطلب من الله كل النعم وكل الخير دائما، كيف يمكن ان يتم هذا؟ وكيف نتقي من نحب؟ نقول ان لله سبحانه وتعالي صفات جلال وصفات جمال، صفات الجلال تجدها في القهار والجبار والمذل والمنتقم والضار، كل هذه من متعلقات صفات الجلال، بل ان النار من متعلقات صفات الجلال. أما صفات الجمال فهي الغفار والرحيم وكل الصفات التي تتنزل بها رحمات الله وعطاءاته علي خلقه فإذا كنت تقي نفسك من النار وهي من متعلقات صفات الجلال لابد ان تقي نفسك من صفات الجلال كلها لانه قد يكون من متعلقاتها ماهو أشد عذاباً وإيلاما من النار، فكأن الحق سبحانه وتعالي حين يقول: »اتَّقُوا النَّارَ» و»اتَّقُوا اللَّهَ» يعني ان نتقي غضب الله الذي يؤدي بنا إلي ان نتقي كل صفات جلاله ونجعل بيننا وبينها وقاية فمن اتقي صفات جلال الله أخذ صفات جماله ولذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: »إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلي الجبار بالمغفرة» وكان المنطق يقتضي ان يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم »تجلي الرحمن بالمغفرة» ولكن مادامت هناك ذنوب فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم فكأن صفة الغفار تشفع عند صفة الجبار وصفة الجبار مقامها للعاصين فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها فيغفر الله للعاصين ذنوبهم وجمال المقابلة هنا حينما يتجلي الجبار بجبروته بالمغفرة فساعة تأتي كلمة جبار يشعر الانسان بالفزع والخوف والرعب لكن عندما تسمع »تجلي الجبار بالمغفرة» فإن السعادة تدخل الي قلبك لانك تعرف ان صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك والنار ليست آمرة ولا فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة إذن فاستعذ منها بالآمر أو بصفات الجمال في الآمر.