قالوا لحكيم: لماذا لا تعامل من يسيئون إليك بما يعاملونك به؟ رد مبتسماً: إذا رفسك حمار فهلا ترفسه؟ وبدوري ضحكت من المفارقة، ذلك أن الحمار الجمهوري الأحمر لم يرفسنا مرة لكنه اعتاد ذلك وربما تبادل الرفس والضرب لكل عالمنا المعاصر مع زميله الفيل الديمقراطي الأزرق بكل مؤسساتهم وإدارتهم، يتبادلون الأدوار ولا يعدمون في كل مرة ضحايا جددا. ظل الحمار والفيل يمارسان لعبتهما المفضلة عقوداً طويلة مع شعوب العالم الثالث بصفة خاصة، إلي أن جاء ترامب ليشعل العالم كله حتي أقرب حلفائه التقليديين في أوروبا من دول الاستعمار القديم لم يسلموا من أفعاله، ما اضطر الرئيس الفرنسي منذ أيام أن يعلن أن علي أوروبا إنشاء جيش أوروبي موحد يدافع عن مصالحها، ذلك أن ترامب هدد كل مصالح حلفائه الأوروبيين بسياساته الخرقاء في السياسة والاقتصاد والبيئة والشعبوية التي أسس لها فكانت رصيداً ساعد اليمين الأوروبي المتطرف للصعود، كما هدد النظام العالمي المستقر لسنوات طويلة في حلف الأطلنطي واتفاقيات التجارة الحرة وخرج من اتفاقية التغير المناخي، والاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات عليها وعلي الصين تضررت منها أيضاً الشركات الأوروبية، والسياسات والقوانين العنصرية التي تبناها والتطرف والإرهاب اللذين يحميهما ويمدهما بالسلاح والأموال بما هدد القيم الإنسانية والديمقراطية حتي في الداخل الأمريكي ذاته. حدث هذا أيضاً في سنوات سابقة مع أسلافه من الديمقراطيين باراك أوباما وبيل كلينتون، والجمهوريين دبليو بوش وريجان وغيرهم، لكنهم جميعاً مارسوا الرفس تحت الحزام واحكموا لعبتهم بشياكة وحذر ولياقة افتقدها هذا الترامب ولعب علي المكشوف كمراب مبتز وسمسار جشع نال عالمنا العربي من مكائده وسياساته الكثير، ونال حلفاؤه الإنجليز والألمان والفرنسيون واليابانيون نصيباً لا يقل عن منافسيه ومناوئيه في الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية. لقد بدا كمدير بنك فاسد يحاول الاستيلاء بغير حق علي أموال المودعين بطرق احتيالية جديدة وكثيرة ومتنوعة. لذا أعجب من أولئك الكتاب والمحللين الذين هللوا لحصول الديمقراطيين علي أغلبية مجلس النواب، آملين أن يستعيد الكونجرس سيطرته علي السياسة الأمريكية وتحجيم شطحات ترامب وربما محاسبته. لقد فعل البعض منا ذلك كما كثيرون في العالم وداخل الولاياتالمتحدة نفسها، علي غرار ما قرأت في عدد »فورين أفيرز» الأمريكية الأربعاء الماضي ولأكثر من كاتب، ولعل هذا موضوع مقالنا القادم. وفي تقديري أن من راهنوا علي تحول ترامب إلي بطة عرجاء سيخسرون رهانهم. كلها تمثيليات وتوزيع أدوار، لكن السرقة واحدة طالما هناك مدير أمريكي فاسد لبنوك العالم سيستمرون في مراوغتنا وملاعبتنا بمقولاتهم ودعاواهم المخاتلة عن تغيير المفاهيم وأساليب التفكير والخبرة وإعادة الهيكلة والتركيز علي الأهداف واقتناص الفرص وحتي السباحة مع التيار أحيانا. وفي حكايتنا الرمزية هذه ما يلخص الأمر ويعريه. تقول الحكاية: خلال عملية سطو في نيويورك صرخ اللص موجهًا كلامه إلي الموظفين والعملاء: لا تقاوموا فالمال ملك الدولة وحياتكم ملك لكم فحافظوا عليها، فاستلقي الجميع علي الأرض بكل هدوء، وهذا ما يسميه الأمريكيون »تغيير المفاهيم وطريقة التفكير»، وعندما انتهي اللصوص من السرقة قال أحدهم : يا زعيم دعنا نحصي كم من الأموال أخذنا، نهره الزعيم قائلاً: هل أنت غبي؟! هذه كمية كبيرة من الأموال وتأخذ منا وقتا طويلا لعدها، وعلي المساء سنكون عرفنا من نشرات الأخبار كم من الأموال سرقنا، وهذا »ما يسمي الخبرة» وفي أثناء السطو حاولت سيدة إغراء أحد أفراد العصابة فتمددت وعرت ساقيها فغضب منها اللص وقال: هذه عملية سطو يا سيدتي وليست عملية اغتصاب! وهذا ما يسمونه »بالتركيز علي الهدف» وبعد أن غادر اللصوص البنك، قال مدير الفرع لرئيس البنك: اتصل بالشرطة، فباغته الرئيس: انتظر دعنا نأخذ لأنفسنا 10 ملايين دولار إضافية ونضيفها في سجلاتنا إلي ال 70 مليون دولار التي قمنا باختلاسها سابقًا، وهذا ما يسمي »السباحة مع التيار وتحويل الوضع لصالحك». كانت المفاجأة في اليوم التالي حين ذكرت وكالات الأخبار أن 100 مليون دولار تمت سرقتها من البنك. وعندما قام اللصوص بعد النقود مرة تلو أخري، لم يجدوا إلا 20 مليوناً فقط، ضحك اللصوص، فقد خاطروا بحياتهم من أجل 20 مليوناً بينما رئيس البنك حصل علي 80 مليون دولار دون أن تتسخ ملابسه» وهذا ما يسميه الأمريكيون »المعرفة التي تساوي قيمتها ذهباً». كان مدير البنك يبتسم سعيداً لأنه أصبح مليونيراً وجميع خسائره في البورصة تمت تغطيتها بهذه السرقة وهذا ما يسمونه »اقتناص الفرصة». ولعل ترامب في مواجهة نتائج انتخابات التجديد في الكابيتول هيل سيقوم أيضاً بانتهاز الفرصة، بينما يظل عالمنا حائراً محاصراً ما بين الحمار والفيل رغم نتيجة انتخابات الكابيتول هيل.