يري البعض أن "الاخوان المسلمون"هم الفصيل السياسي الاكثر استفادة من ثورة 25 يناير حتي الآن رغم انهم كانوا ضد المشاركة فيها حتي آخر لحظة..وأعتقد أن هذا الرأي يجانبه الصواب الي حد كبير. فالاخوان بعد سقوط نظام مبارك، انتشروا في وسائل الاعلام وخاصة الفضائيات التي يسيطر عليها متنفذون ينتمون للاخوان او التيارات الاسلامية الاخري (مثل الجزيرة والجزيرة مباشر مصر، ناهيك عن القنوات الاسلامية الاخري)..وأزعم أن هذا الانتشار الكثيف لم يكن في صالح الاخوان لأنه كشف عن الكثير من التناقض والمراوغة وأحيانا الاكاذيب علي الهواء مباشرة ،ولن اقول "الانتهازية"، وهو ما أدي الي تشويه صورة الجماعة وضعضعة الثقة فيها الي حد كبير ليس فقط لدي جماهير الشعب ومختلف التيارات السياسية ولكن أيضا لدي شباب الاخوان الذين انخرط كثير منهم في الثورة منذ البداية ، وتمردوا علي القيادة التقليدية المتمثلة في "عواجيز" مكتب الارشاد.. ومن تجليات هذا التمرد انضمام عدد كبير من شباب الاخوان الي حملة الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح المرشح الرئاسي المحتمل رغم رفض قيادة الجماعة تأييده، اضافة الي فصله من مكتب الارشاد.. أما أحدث ، ولن أقول آخر، تجليات التناقض الواضح والفاضح في مواقف جماعة الاخوان وحزبها فكان الهجوم الجارح من قيادات بارزة فيهما علي رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لأنه تحدث بكلام علمي محايد لم يعجبهم عن "العلمانية" حين قال إنها لا تعني "اللادينية" وإنما تعني "احترام كل الاديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه" ..واوضح ان "العلمانية لا تعني أيضا ان يكون الاشخاص علمانيين ، فأنا مثلا لست علمانيا ولكني رئيس وزراء دولة علمانية"..واردف ان "99٪ من سكان تركيا مسلمون ، وهناك مسيحيون ويهود واقليات لكن الدولة في تعاملها تقف عند نفس النقطة..وهذا ما يقره الاسلام ويؤكده التاريخ الاسلامي"..إذن العلمانية ببساطة تعني فصل الدين عن السياسة وليس فصله عن المجتمع.. وهنا أكد اردوغان حقيقتين صادمتين اغضبت منه الاخوان وحلفاءهم وهي ان العلمانية ليست ضد الاسلام وأن تركيا الدولة المسلمة حققت نهضتها ومعجزتها الاقتصادية ، التي كان يتغني بها الاخوان ويتمسحون بها باعتبارها تجربة "اسلامية" ، في ظل العلمانية ..لم يغفر الاخوان والاسلاميون هذه التصريحات الكاشفة للصديق اردوغان بل فتحوا عليه النار واتهموه بالتدخل في الشئون المصرية ومحاولة الهيمنة ، ولو استطاعوا لطردوه من البلاد بعد تجريسه!!..هذه التصريحات كشفت ايضا عن الجهل الفاضح لمن يعتبرون العلمانية تهمة وأن الليبرالية سُبَة رغم أن الليبرالية تعني ببساطة الحرية بمعناها الواسع ، وأنا شخصيا أعتبر نفسي ليبراليا بمعني أنني "حر مستقل".. ولكن يبدو أن الانفلات وخلط الامور اللذين نعاني منهما شوها حتي المعاني والمصطلحات!!..واعود الي تجربة اردوغان وحزبه الذي حقق طفرة اقتصادية مبهرة لأنه التزم بالتنمية والعدالة الاجتماعية وتعزيز ركائز الدولة المدنية "أو العلمانية" وتقليص نفوذ الجيش واخضاعه للحكومة المدنية..هذه باختصار حكاية اردوغان دون الاغراق في أي اوهام عن الزعامة او غيرها..إنه قائد يعرف قيمة وقامة بلاده ويتصرف علي هذا الاساس..وأمام مصر فرصة تاريخية لتشكيل محور يقود المنطقة مع تركيا وايران وأرجو ألا نضيعها.. ولاشك ان الاخوان خسروا الكثير من مصداقيتهم عندما هاجموا اردوغان بهذه القسوة لمجرد اختلافه معهم في الرأي ، وهو ما كرس صورة تتعزز يوما بعد يوم منذ قيام الثورة وانخراط الاخوان في العمل العام ، عن تقلبات مواقفهم وتغييرها بين عشية وضحاها..وكذلك الخروج علي الاجماع الوطني ..ومثال ذلك الخلافات العلنية الاخيرة مع التيار الليبرالي والجمعية الوطنية للتغيير..وكذلك خذلان الاخوان لجموع المعلمين بتراجعهم عن المشاركة في الاضراب العام بعد فوزهم في انتخابات النقابة ، رغم تعهدهم بالمشاركة قبل الانتخابات!!.. وايضا إعلان مكتب الارشاد عن ترشيح ستة زملاء في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين ..وهي المرة الاولي في تاريخ النقابة التي يتدخل فيها مكتب الارشاد في انتخاباتها بهذه الصورة السافرة..رغم ان تجربة الزملاء من اعضاء الاخوان في المجلس المنتهية ولايته كانت في غاية السوء ويكفي انهم قبلوا الاستمرار في كراسيهم بشكل غير شرعي رغم سقوط القانون 100 واستقالة خمسة من اعضاء المجلس رسميا مما كان يستوجب اجراء انتخابات جديدة فورا..ناهيك عن جريمة تعمد عدم إجراء الانتخابات المقبلة وفقا لقانون النقابة!!.. وارجو ألا يُفهم كلامي علي أنه ضد مشاركة الاخوان في الحياة السياسية أو حتي حصولهم علي الاغلبية في أي انتخابات ..بل إنني أزعم أنني من القلائل الذين دافعوا بقوة عن حقوق الاخوان في الحرية وفي حزب سياسي في عز سطوة النظام البائد..وكتبت مدافعا عن هذا الحق في "المصري اليوم " بتاريخ 31/12/2006 ما نصه "وأعتقد أن هذا هو الحل الأمثل لدمج الإخوان في المجتمع والدولة، أما مواصلة إقصائهم... فستكون ضربا من دفن الرءوس في الرمال حيث سيواصل الإخوان عملهم السري، والذي قد يشمل تسليح ميليشيات للدفاع عن النفس ضد البلطجية الذين يستأجرهم الحزب الحاكم وحكومته".. وكل ما ارجوه أن يراجع الاخوان مواقفهم وسياساتهم وأن يدركوا أنهم الآن يعملون في العلن وعلي الهواء مباشرة ،كما أنه لا يوجد حزب وطني مكروه وجهاز قمعي يجعل الناس يتعاطفون معهم ويناصرونهم كراهية في زيد وليس حبا في عمرو..