صباح الخير، فيرد بوجه ضاحك مشرق مثل الشمس : صباح الورد، عجوز له ملامح ذكريات دافئة، يجلس علي ناصية شارع أمر عليه كل صباح، لا أعرفه ولايعرفني، لكن بيننا عشم أننا مصريان. جلابيته البنية التي مر عليها ألف نهار. هذا رجل لست في حاجة إلي أن أعرف أنه يعيش علي العيش والمش والبصل والعسل الأسود. في جبينه كبرياء لاتخطئه عين. يعمل علي ماأظن حارس. سمرته بنيانه جلسته عيناه التي أكاد أري فيهما مصر بكل عمقها وعبقها. في أيام تالية.. ألمح له أبناء ينحنون علي عروق يديه يقبلانها. أفندية. أحدهما يركب فيسبا. قميص أبيض مكوي وبنطلون نظيف رغم موضته القديمة. أربط بين فتاة تظهر مرة وهي تقدم له كوب شاي بالنعناع وطبق ملفوف. أتصور أنها إبنته وخطوتها تعكس توقفها عند مرحلة الثانوية في الدراسة. تتشكل العائلة في ذهني صباحا بعد صباح. أمنحه من عندي إسما : عم صبحي. إسم محايد لمصري صارم قطف زهرة القطن من الغيط ذات يوم وذاق الشمس فجعلته مثل عصا طويلة مستقيمة يتوكأ عليها. كم عمره : سبعون. أكثر، أقل. كم مصري مثلك يارجل ؟ كم ابنا من رجل مثلك يارجل ؟ في صباح آخر.. رأيت أطفالا. صبيان وبنات. للصبيان أسنان لامعة وللبنات ضفائر مرتبة نظيفة. كيف يعيش هذا الرجل ؟.. كلما تأملته في صباحاتي المتتالية وجدت حالة من الرضا لانهاية لها. رضا شامخ لايلغي طموحه بالإستيقاظ مبكرا كل يوم ليري الشمس كما إعتاد وهي تتدحرج في سماء باردة رمادية. يعمل مبكرا شئ ما يأخذ عنه أجرا ويرضي. لعله يغسل سيارات مثلا. لا أعرف. هو في كل الأحوال له وجه مرتاح. يضحك. صباحاته كلها ورد. فكرت مرة أن أتوقف عنده تماما وأمنحه مساعدة ما. استقبلني واقفا ثم رد يدي الممدودة وهو يقول نفس العبارة بنفس الوجه : صباحك ورد ياإبني. شوف حالك وتوكل علي الله. مستورة ربنا يستر لك طريقك. كم مصري مثلك ياعم صبحي. أنا أقسم دائما أنهم كثيرون. أنهم الأغلبية. الحزب الذي لايقرأ صحف ولا له في برامج التليفزيون. لايعرف أحد إلا حياته البسيطة البسيطة التي تطل بوجهيها علي الرضا. مصر الممتدة لها وجه عم صبحي. وهذا سرها. تطفو وجوه هفتانة مذلولة صفراء مجهدة. شاردة طماعة ليس الله رازقها. فنستمد منها قراءة مستقبل وطن. نتنبأ بهم بثورة جياع وحفرة من نار نلقي فيها وضياع علي عتبة أعمارنا الجديدة. فلماذا لانقرأ القادم من وجه هذا الرجل. هذا رجل ليس مركونا علي هامش رواية. هو متاح في الشارع، في الحياة، في المدينة الكبيرة وفي الصعيد البعيد وفي الريف بكل خصوبته المتبقية. في السنين الماضية فقط كنا نتجاهل حضوره الطاغي ووجهه الضاحك ورضاه الكامل. نبحث عن أردأ الوجوه لنلمحها ونمنحها إهتماما. نقرأها ونفسر بها حاضرنا وحياتنا. الحبر الأسود يشوه ورقة بيضاء فنمزقها. لكن الورق الأبيض يمكن أن يجعل من الحبر الأسود قيمة بقدر مايكتب به. اوباما. اردوغان. ساركوزي. البرادعي. موسي. نجادي. السيدة كلينتون. هل تقرأون وجوه العم صبحي وأولاده وأحفاده ؟.. هل صادفتموها ذات صباح ورد ؟ هل تفهمون ماورأ خطوط الشمس في ملامحه ونضرة القوة والإحترام في وجوه أولاده وإبتسامة بريئة طرية موحية يحملها أحفاده ؟.... صباحكم ورد " للقراء فقط ".