الصحف عن توطين الباعة الجائلين في شوارع وسط القاهرة . لا يفعل ذلك إلا أحمق . أو مقاول جاهل من الذين ظهروا في العصر التافه الذي امتد منذ حكم السادات إلي نهاية حكم مبارك. هؤلاء المقاولون الذين ظهرت عليهم الثروة من السفر الي الخليج أو من التجارة والسمسرة او حتي المخدرات . الذين لم يقرأوا كتابا ولم ينظروا إلي لوحة ولم يستمعوا الي موسيقي حقيقية . هؤلاء الذين عبر أربعين سنة راحوا يدفعون الرشوة للأحياء التي يرأسها رجال خرجوا الي المعاش من الجيش أو الشرطة أو غيره ممن قسموا مقدرات المجتمع بينهم . قبل ثورة يوليو كان رؤساء الأحياء منتخبين من ملاك العقارات ومن ثم لم يكن لواحد منهم أن يفسد قوانين البناء التي رأينا نتائجها العظيمة في القاهرة الخديوية وفي مصر الجديدة والدقي وغيرها حيث الشوارع الواسعة والعقارات التي لا يزيد ارتفاعها عن عرض الشارع مرة ونصف والالتزام بالجراجات . حتي في الاحياء الشعبية مثل بولاق ابو العلا والسيدة زينب وغيرها لم تكن ترتفع العمارات عن القانون . منذ اربعين سنة ومع الجهل والمال متحدين مع السلطة غير المنتخبة والرشوة التي تشمل الجميع من العمال الي المهندسين وغيرهم قامت حركة كبري لهدم العقارات الصغيرة والفيللات وبناء العمارات العالية في الشوارع الضيقة . وغير ذلك مما خلف لنا أحياء لا تليق بالبشر . كانت ألسنة هذا النوع من التجار تتلوي بين شفاههم في حسرة لأنهم يريدون القضاء علي ما تبقي من القاهرة الخديوية ومصر الجديدة وغيرها من مناطق الطراز المعماري الفريد. ونجحوا قليلا هنا وكثيرا هناك ويبدو أنهم سينجحون في كل مكان . . فبدلا من إخلاء وسط القاهرة من الباعة الجائلين الذين احتلوها بكثافة مستغلين الانفلات الامني بعد الثورة . والمشروع القديم الذي سمعنا عنه كثيرا عن إخلاء وسط القاهرة من السيارات والورش والمكاتب . بدلا من تحديد ساعات العمل للمحلات والمقاهي بحيث لا تكون القاهرة او غيرها مباحة طوال الليل . بدلا من خطة لتنظيف شوارع القاهرة والاستمرار في تأكيد ترميم ودهان عماراتها ونزع الإعلانات وغيره مما يشوهها . فكر أحد عباقرة الجهل في توطين الباعة الجائلين وسط القاهرة في شوارع تتفرق ما بين الألفي وماسبيرو . من انتم أيها الناس الذين تقودون حياتنا ومن أي كهف متخلف تصعدون الينا . وهل الذي قرر ذلك هو المحافظ الجديد أم رجاله أم واحد منهم لم يعرف كيف يحل مشكلة هي أصلا اغتصاب لحق الناس في شوارع المدينة فضلا عن حق أصحاب المحلات القديمة فضلا عن حق الشوارع والعقارات نفسها في الرعاية والبقاء دليلا علي أننا كنا يوما أمة من البشر لا أمة من الغنم . نحن نحتاج إلي مشروعات كبيرة لإعادة بناء العشوائيات التي صارت تدور وتتقاطع مع المدن لا أن نجعل المدن وميادينها وأحياءها الكيري عشوائيات . حل مشكلة الباعة الجائلين لا تعني إفساد عمارة وجمال المدينة ولكن تعني أن يعودوا الي حيث جاءوا . في أوربا وفي المدن الكبري نفسها تقام أسواق في بعض الميادين يخصص لها مكان جانبي لا تمر به سيارة أو غيرها وهذه الاسواق تقام ليوم واحد كل اسبوع . وبالضبط نصف يوم . من السابعة صباحا الي الواحدة او الثانية ظهرا . وخارج المدينة يمكن أن تستمر إلي الخامسة مساء . وفي كل الاحوال يقوم الباعة بتنظيف مكانهم وتركه أفضل مما كان . هذه هي الاسواق الشعبية إذا أريد إقامتها داخل المدن . لكن هناك ينامون مبكرا ويستيقظون مبكرا ولا يسهرون حتي الصباح لذلك تقام الأسواق من السابعة الي الواحدة وفي أيام الآحاد. اي الإجازات. ولقد كانت لدينا هذه الأسواق زمان مرتبطة بيوم واحد في الأسبوع . في الريف والمدن. لكنها صارت كل يوم رغم أنها لا تزال تحمل اسمها القديم. سوق التلات أو الجمعة أو الخميس مثلا . تركت تزحف علي أيام الاسبوع . وستزحف الآن الي الأماكن التاريخية الجميلة . ستزحف عشوائيات الفكر والسلوك علينا . ليست الثورة أن تسلّم للناس في الخطأ. وهذا خطأ محل إجماع الجميع، أي لا يختلف عليه أحد. الثورة يا سادة هي أن نتخلص من طريقة النظام القديم في الفكر والسلوك. ذلك النظام الذي ضيع الأراضي الزراعية في البناء والعفو عن المخطئين كل انتخابات وكذلك في البناء والبحيرات العظمي التي ردمها وسيردم الآن تاريخنا وما بقي من جغرافيا جميلة . محافظون منتخبون ورؤساء أحياء منتخبون هو الحل الطبيعي الذي جار عليه النظام منذ ثورة يوليو .