تمر السنين ويظل الراحل الكبير فؤاد حداد نبعا من ينابيع الابداع التي يرتوي منها كل باحث عن أصالة المصري في الحارة المصرية، نبع لا ينضب ولا ينتهي عندما يجد من يحسن السباحة فيه، السباحة هذه المرة كانت من نجله أمين حداد والمخرج الكبير أحمد اسماعيل، عندما قدما لنا الأمسية الرمضانية »حي علي بلدنا» علي خشبة المسرح القومي. ذهبت للمسرح وفي تصوري أنني سوف أشاهد عرضا مسرحيا يقوم خلاله مخرجنا أحمد اسماعيل بما يملكة من حرفية بمسرحة اشعار فؤاد حداد في قالب استمتع فيه بمباراة في التمثيل بين الكبار: أشرف عبد الغفور ومفيد عاشور وعهدي صادق وأشنف أذاني بصوت وألحان سيد مكاوي من خلال محمد عزت ورحاب رسمي ونهال خالد إلي جانب الحان ابراهيم رجب وعبد العظيم عويضة ووجيه عزيز والفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو صابر عبد الستار وأمتع بصري بسينوغرافيا وملابس رمضانية تناسب المعاني والدلالات التي تحملها شخوص اشعار فؤاد حداد، ومن اهمها شخصية »المسحراتي» خاصة وان اعلان العرض بشرني بأن المشرف علي الملابس هو الكبير ناجي شاكر، لكني فوجئت بأنني في حضرة أمسية شعرية غنائية لم يتم »قولبتها» في اطار مسرحي، المنظر عبارة عن خلفية سوداء تغلف المكان بالكامل، و7 مقاعد »مودرن» تشكل نصف دائرة، منظر فقير وغير مبهج في أمسية شعبية بطلها »المسحراتي» الساكن في الوجدان بجلبابه وطاقيته وهو يدق علي »طبله» منشدا ومغنيا باشعار فؤاد حداد الانتقادية الكاريكاتورية الثائرة، شاهدت ابطال الأمسية بملابس افرنجية أتوا بها من دولاب ملابسهم الخاصة، كنت أتصور ان الكبير ناجي شاكر سوف يجعلهم يرتدون الجلباب والطاقية واللاسة، ويجعل الفنانات المشاركات في الامسية يرتدين »عباية بنت البلد»، في الحقيقة بحثت عن عمنا الكبير ناجي شاكر في هذه الامسية فلم اجده !. توقعت أن تكون هناك سينوغرافيا رمضانية توحي بالجو الشعبي المعبر عن كتابات حداد، ان تغلف كل خلفية المسرح بالخيامية الرمضانية المبهجة بألوانها الشعبية الزاهية، وان تكون المقاعد عبارة عن صناديق خشبية مغلفة بقماش البهجة الرمضانية، لكن علي مايبدو أن صديقي المخرج احمد اسماعيل لم يكن لديه الوقت الكافي لمسرحة الدرر الذهبية لعمنا فؤاد حداد فأقتصر الأمر علي أمسية اشبه بحصة القاء، وبين الالقاء والالقاء فاصل من الغناء، دون ان تكون هناك شخصية محورية تربط الاختيارات الشعرية وتبين سبب أختيارها دون غيرها من اعمال فؤاد حداد، وإذا ما أخذنا قصيدة وضعناها مكان قصيدة فلن يحدث إي خلل، اعجبني في الامسية لحن وغناء محمد عزت لمقطوعة العروسة التي تقول »يا العروسة اللي بتغسل خلاجاتها في خليلي.. من شفايفك تمر معسل خس مليجي» وكنت أتصور ان يفتتح بها المخرج الامسية لشد انتباه المتفرج، واعجبني ايضا تكرار لحن »حي علي بلدنا» بين بعض فقرات الانشاد الشعري، خاصة وان الكلمات تقول »حي علي بلدنا يا مجاور الف مدنة ورزقك بالحلال.. البنا في العلالي والسقا اللي ملالي من النيل الزلال.. بيقولوا الحق طالع في كل فجر طالع لما يشد الحبال تشد معاه ولادنا»، الامسية قدمت صورة للبيروقراطية العفنة في دولاب العمل من خلال »اسمع حكايتي مع استمارة» التي ابدع في تلحينها سيد مكاوي الذي غاب بصوته ايضا عن الامسية، وتناولت الامسية ايضا »المسحراتي» الذي يدعونا لحب الوطن فيقول لنا: »مسحراتي منقراتي أنادي كل الولاد في بلادي.. أنادي بنتي إيناس.. ألاقي خدي انباس.. أنادي ابني حسن.. ألاقي صدري اتحضن.. عايز أهادي ولادي.. بغنوة أجمل غنوة حبوا الوطن»، وتتوالي اشعار فؤاد حداد فنستمع »اوعي ماتوعاش»، »طلعت أدب»، و»بنت السلطان»، و»رقصة الفار»، و»في كل حي ولد عترة وصبية حنان»، و»الأرض بتتكلم عربي»، و»فلسطين» وغيرها من لوحات فؤاد حداد التي يسهل قولبتها وترجمتها مسرحيا، بما يملكه المخرج الكبير احمد اسماعيل من حرفية لكنه علي مايبدو أختار السهل !.