عندما وصلني كارت معايدة من رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم في يوم عيد ميلادي لهذا العام، وهو تقليد تتبعه مؤسستنا العريقة مع كل موظفيها، رحت أبحث بين أوراقي المتناثرة علي مجموعة من الكروت الجميلة حصلت عليها من صديقات الدراسة في المرحلة الثانوية في أعياد ميلادي لكنني لم أعثر عليها، رغم علمي بأنها لاتزال موجودة في مكان ما بالبيت، لأنني بالطبع أخفيتها حتي لا تضيع وبذلك تتلاشي ذكرياتي مع زميلاتي في هذه المرحلة الرائعة من عمري.. فقد كنا جميعا كصديقات حريصات علي تبادل هدايا عيد الميلاد وكان لابد من وجود كروت المعايدة معها، فلا يمكن أن نقدم هدية بدون الكارت، فهو الذي يحمل عبارات التهنئة والمباركة والتمنيات، وكانت الورود والتورتات والشموع المطبوعة عليه هي دليل المحبة والصداقة بيننا، كما كان الكارت الغلاف هو المفضل في ذلك الوقت .. ويوم عيد ميلاد إحدانا هو اليوم الوحيد الذي يسمح فيه الأهل لنا بأن نقوم بزيارتها وكان يجب أن نصطحب واحدة من الأخوات حتي إذا حل علينا الليل أي بعد المغرب لا يجب أن تسير الواحدة منا في شوارع البلدة القديمة بمفردها، يا لها من أيام جميلة كان فيها التعبير عن الحب بين الأصدقاء له طقوسه وآدابه.. ومرت الأيام بنا سريعا وانقطعت أخبار الجميع واختفت الهدايا وتلاشت كروت المعايدة، فمشاغل الحياة لم تترك لنا فرصة لإحياء الذكريات بعد أن فرقت بقسوة بيننا الأيام، ولكن بمجرد أن أعثر علي رزمة كروت المعايدة الخاصة بي أهيل التراب من عليها وبرقة أفتح واحداً تلو الآخر، وأبدأ في قراءتها بتمهل، فتهاجمني الذكريات وتحاصرني الكلمات، وأجد نفسي في نوبة فرح عندما أتخيل وجوه صاحبات الكروت التي تفيض بالبهجة والسرور، ولا مانع من أن تجتاحني نوبة شجن علي صديقة عزيزة علي قلبي غيبها الموت عنا وهي في ريعان الشباب .. فهذا آخر كارت اهدته لي، وقد حملته رسالة مواساة لي علي فقدها، لكن يا تري ماذا كتبت أنا لها في آخر كارت أهديته إليها!