هذه دعوة لقوي الثورة المصرية من مختلف التكوينات والاتجاهات إلي تقسيم جديد للعمل، يكون هدفه توحيد الجهود وخلق مساحات من الحركة والفعل المشتركين، وفي الوقت نفسه إعطاء الفرصة للقطاعات الجماهيرية الواسعة لكي تجدد ثقتها في الثورة، ولكي تتواصل معها، وتتحول من موقع الترقب إلي موقع المشاركة. لقد عرفت الأدبيات السياسية في تاريخ الثورات عموما وحركات التحرر خصوصا قاعدة جوهرية، مؤداها أن المعارض يشد أزر المفاوض، ولهذا معني مباشر في حالتنا الراهنة، هو أن ما يزيد من قوة وفود الثورة وممثليها أمام مجلس الوزراء والمجلس العسكري هو وجود معارضين أقوياء يطرحون الحدود القصوي لما هو مطلوب، ومن ثم تعرف أطراف الحوار والتفاوض أن التنازلات لها حدود، وأن الوصول إلي مستوي مقبول لما هو مطلوب سياسيًا هو المخرج الوحيد لأية أزمة، وقياسًا علي قاعدة »المعارض يشد أزر المفاوض« فإنني أذهب إلي أن "الشطار يشدون أزر الثوار"، وأقصد بالشطار قوافل الشباب والشابات والرجال والكهول الذين سيتجهون شطر مشاكل مصر ويبذلون متطوعين كل ما لديهم من فكر وتصميم وقوة وفعل لأجل التعامل معها وحلها بالسبل العلمية والعملية. إنني أتصور أنه الأوان قد آن لأن تقوم قوي الثورة بعمل دليل "أجندة" يضم المشاكل المستفحلة في مصر ويرتب أولوياتها، ثم تعلن عن فتح الباب للتطوع لمن يريد أن يساهم في التصدي لهذه المشاكل، وتحدد مدة كل فوج من أفواج القوافل، كما تحدد أسماء ومهام المشرفين والمخططين الذين لديهم الخبرات العلمية والتقنية التطبيقية المناسبة لكل مهمة من أساتذة الجامعات والاستشاريين والمهندسين والأطباء والاجتماعيين وغيرهم، وسأسوق مثالاً عمليًا هو مواجهة زحف البحر علي الأراضي المنخفضة شمال الدلتا المصرية أو علي طول الشواطئ، وهنا يمكن أن يعرض الأساتذة والاستشاريون خبرتهم العلمية الخاصة بهم أو التي استقوها من تجارب بشرية مماثلة كالتجربة الهولندية، وبعدها يتم تنظيم فرق العمل التي ستؤدي المهام العملية من نقل للرمال والرديم وصب للخرسانات وإقامة للحوائط وتشغيل للمعدات وتوفير للإقامة والغذاء والرعاية إلي آخر ما يمكن أن يرد في ذلك المضمار، وهكذا بالنسبة لعشرات المشروعات المماثلة. إن ما ينطبق علي مواجهة خطر »التبحر« أي هجوم مياه البحر علي أرض وطننا وبحيراته، يصدق علي خطر »التصحر« وخطر »الأمية« وخطر الفشل الكلوي والكبدي وخطر إنفلونزا الطيور والخنازير، وخطر تراكم القمامة، وخطر فوضي التعليم، وخطر فوضي الشوارع، وخطر الأمراض النفسية والاجتماعية وعشرات أخري من الأخطار التي هدت حيل الأمة وعطلتها عن أن تكون كبقية خلق الله من الشعوب التي امتلكت الإرادة لتواجه التحديات، ثم أخطار أخري مستقبلية يمكن أن تتعاظم فداحتها لو أجلنا مواجهتها وانشغلنا فقط بامتلاك إرادتنا. إننا يمكن أن نقيم التضفيرة المصرية الثورية المستقبلية علي ذلك النحو المشار إليه، بمعني أن نعيد صياغة الشعار الخالد في حياة المصريين »يد تعمل ويد تحمل السلاح« عندما قاومنا الاحتلال والعدوان فنجعله شعارا يقول: »يد تعمل وتبني وعقول تفكر وإرادة تقود« أو »الشطار يشدون أزر الثوار«.