لاجدال أن هذا القرار، يعتبر بمثابة المسمار الأخير في نعش إدارة ترامب لعملية السلام في الشرق الاوسط، وسينهي سياسة أمريكية منذ عقود قائمة علي عدم الاعتراف بضم إسرائيل للقدس عام 1967 وتداعيات مثل هذه الخطوة علي عملية السلام والصراع العربي الإسرائيلي بما يمثله من تراجع واضح عن حسم الوضع النهائي وتغيير في المرجعيات الدولية والقرارات الدولية بشأن عملية السياسية برمتها. لكنها في النهاية بداية مرحلة جديدة لمعالجة القضية الفلسطينية خارج اطار الرعاية الامريكية المتفردة والعملية السياسية التي استمرت اكثر من 20 عاما لان هذه الرعاية اثبتت فشلها واوصلتها إلي طريق مسدود. كان الكونجرس الأمريكي قد أصدر قانونا عام 1995 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون ينص علي »وجوب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلي القدس لكن الرؤساء الذين سبقوا ترامب عرقلو تنفيذ القانون كل 6 أشهر تحت بند »حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة» لكن ترامب قطع علي نفسه وعدا أمام الجالية اليهودية في أمريكا أثناء حملته الانتخابية بالإقدام علي تلك الخطوة في أول أيامه بالبيت الأبيض. وفي يناير الماضي وقع ترامب مذكرة تأجيل نقل السفارة كما فعل غيره من الرؤساء، لكن في الاسبوع الماضي اصدر ترمب القرار وتري صحيفة الجارديان ان مما ساعد ترامب علي اتخاذ القرار الوضع المتدهور الذي تمر به المنطقة العربية وعدم وجود تأثير دولي. وتؤكد الادارة الامريكية ان التداعيات السياسية لهذا الموضوع لن تكون كبيرة. خطورة الخطوة الأمريكية أن نقل السفارة لمدينة القدس يعد اعترافا نهائيا بدولة إسرائيل وبالتالي أصبحت القدس عاصمة لإسرائيل ولا داعي لوضعها علي طاولة المفاوضات.. وفقًا للمنظور الأمريكي، سيتم التعامل مع هذا الملف عالميا وليس فقط أمريكيا وهو ما ينهي عملية التسوية حول حل الدولتين وإغلاق الباب كليا أمام المفاوضات حول القدس. ورغم أن ترامب قدم الكثير من الوعود التي مهد بها طريقه للبيت الأبيض الا ان هناك قرارات لم يستطع تنفيذها.. منها بناء جدار حدودي مع المكسيك وإلغاء برنامج أوباما كير لانه ا وعود ارتبط تنفيذها بآخرين ولذا تعثر تنفيذها. ولكن قرار نقل السفارة للقدس كان يمكن أن يتخذه بمفرده ويمكن ان يضمن له الشعبية أمام مؤيديه ويجعله في نفس الوقت يختلف عن رؤساء امريكا السابقين - فهو الرجل الذي يحب ان يقال عنه انه اتخذ الخطوة التي لم يتمكن احد من أسلافه القيام بها. ولهذا يبدو القرار مقامرة ضخمة وغير صائبة اثارت قلقا عالميا لانه قلب عقود من السياسة الخارجية بإعلان القدس عاصمة إسرائيل وجعل التقدم في عملية السلام عملية صعبة بالفعل واثار احتجاجات وقد يكون سببا في عنف محتمل. وكانت المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية توقفت في أبريل عام 2014، بعد رفض إسرائيل وقف الاستيطان والإفراج عن المعتقلين القدامي في سجونها والالتزام بحل الدولتين علي أساس حدود عام 1967. في الوقت نفسه فان القرار يحقق هدفين رئيسيين له بعد اشتداد الخناق حوله بعد اعتراف مستشاره السابق مايكل فلين بالكذب علي المحققين الذين يبحثون وراء اتصالاته مع روسيا أثناء الحملة الانتخابية. الأول هو تشتيت الانتباه بقرار يثير شهية الإعلام للابتعاد عن قضية الاتصالات مع روسيا اثناء الحملة الانتخابية. والثاني هو الدفع باللوبي اليهودي صاحب النفوذ القوي في الكونجرس، للوقوف خلفه في مواجهة خصومه الذين يسعون للإطاحة به عبر عزله عن طريق الكونجرس كما حدث من قبل مع الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في أعقاب كشف فضيحة ووترجيت عام 1974. في الوقت نفسه فان قرار نقل السفارة الامريكية للقدس قضية تهم قطاع من المتدينين في الولاياتالمتحدة اتباع المسيحية- الصهيونية، بما يعني أن أي قرار يتعلق بالقدس سيضمن لترامب تأييدا داخليا قد يعادل الخسائر المتوقعة خارجيا وربما يفوقها. ورغم ان اغلبية الديمقراطيين والجمهوريين يؤيدون قرار ترامب فالقرار أثار ردود فعل متباينة في واشنطن واتهم بعض اعضاء الكونجرس الرئيس بوضع رغبات الناخبين المسيحيين الانجيليين قبل المصالح الوطنية الاميركية. وقال شيلدون وايتهوس عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ان القرار يمثل مسرحا جيدا لقاعدة الرئيس الانتخابية الا انه يشكل خطوة خطيرة للإنجيليين فرغم ان ذلك يعتبر جزءا مما جاء بالكتاب المقدس. الا انني اعتقد انه من الخطورة ان نترك هذه المعتقدات الدينية تشكل مصالحنا الوطنية ومصالحنا الدبلوماسية. كما وجهت ديان فينشتاين السيناتور الديمقراطي- التي كانت بين من صوتوا لصالح قانون عام 1995- رسالة لترامب حثته فيها علي عدم نقل السفارة لأنه »سيثير العنف، ويزيد من عزلة الولاياتالمتحدة ولان مستقبل القدس قضية يجب أن تقررها إسرائيل والفلسطينيون». من ناحية اخري يعتبر القرار تحركا من جانب واحد عن حلفاء الولاياتالمتحدة حول قضية كبري بعد قرارات الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ والتخلي عن المفاوضات التجارية متعددة الاطراف مع الشركاء في اوروبا وآسيا والتهديد بإلغاء اتفاق النووي الدولي مع ايران. فقد رفض ترامب النداءات من قادة فرنسا والاتحاد الأوروبي والسعودية والأردن ومصر وحلفاء آخرين. وحثوه علي عدم الحكم المسبق علي قضية ستكون في صميم أي صفقة شاملة، والتي عهد بها إلي صهره اليهودي جارد كوشنر. وحيث تفضل ادارة ترمب تجاهل أن القرار جعل احدي القضايا الاكثر تعقيدا في العالم مستحيلة اكثر من اي وقت مضي، وان ذلك سيؤدي إلي عواقب لا يمكن التنبؤ بها في الشرق الاوسط في ظل الخطوات التي ستتخذها اسرائيل في الفترة القادمة.