ليس جديداً ولا مفاجئا حديث الدوائر الصهيونية عن الرغبة في توطين الفلسطينيين في سيناء وإقامة الدولة الفلسطينية علي أراض مصرية. لكن المثير للدهشة هو إعادة تدوير هذا الكلام الغث وطرحه من جديد الآن في عدة صور خبيثة ليس لها من تفسير سوي انها حالة من الاستعباط أو الاستنطاع. ارصد معي كلام الوزيرة الإسرائيلية جيلا جملائيل في الحوار الصحفي الذي اجرته معها إحدي المجلات عن ان المكان الوحيد الصالح لإقامة الدولة الفلسطينية هو سيناء وان القضية الفلسطينية قضية اقليمية يجب علي الدول العربية المجاورة ان تضطلع بمسؤوليتها في إيجاد الحل وانها ليست محض مسؤولية اسرائيلية. لاحظ توقيت الإدلاء بتلك التصريحات قبل حضورها إلي مصر بأيام للمشاركة في فعاليات مؤتمر تمكين المرأة الذي رعاه الاتحاد الأوروبي. لا أدري إن كانت كررت نفس الكلام في القاهرة أم لا؟ فتصريحات رئيسة المجلس القومي للمرأة د. مايا مرسي التي نشرتها الوفد تنسج خيوطاً من الارتباك حول المشهد. فالمسؤولة المصرية تقول انها فوجئت بوجود الوزيرة الإسرائيلية!!! وان الوفد الإسرائيلي غادر فور انتهاء الجلسة الافتتاحية!!! ما علينا.. ما يهمنا إثباته ان كلام الوزيرة الصهيونية ليس بدعاً منها ولا من بنات أفكارها فالفكرة سبق ان طرحها للمرة الأولي جنرال صهيوني في عام 2009 هو الجنرال »جيورا إيلاند» -الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي تقوم علي مضاعفة مساحة غزة مرتين أو ثلاث مرات، وذلك بضم 600 كيلو متر مربع من سيناء إلي القطاع، لتكون هناك فرصة لبناء مدن جديدة للفلسطينيين في سيناء مع إقامة ميناء بحري ومطار دولي، ما يحقق تنمية اقتصادية حقيقية للفلسطينيين. وتشمل الخطة ضم المساحة المذكورة، لتتجاوز مساحة غزة حدود 1967 التي لم يعد الالتزام بها مقبولاً من الناحية الأمنية لدي إسرائيل، مقابل منح مصر 600 كيلو من صحراء النقب جنوب إسرائيل. فكرة حل القضية الفلسطينية علي أساس تبادل الأراضي عادت واقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو علي الرئيس الأسبق مبارك ورفضها في حينه رفضاً باتا. علي هذا الذكر تتجلي أبشع صور الخبث الصهيوني حين تطلع علينا بي بي سي العربية بكشفها المذهل المزعوم عن وثائق سرية من الأرشيف البريطاني تؤكد من وجهة نظر الموقع قبول مبارك بهذا الاقتراح، وتتلقف الصحف الإسرائيلية هذا الكشف المزعوم لمحاولة توريط مصر بالتدليل علي سبق قبولها بالفكرة علي لسان رئيس سابق(!) ويحدث كل هذا بالتزامن مع تصريحات الوزيرة الإسرائيلية ووجودها بالقاهرة. صدفة؟ بالطبع لا. تبرؤ الخارجية الإسرائيلية من كلام الوزيرة وتأكيدها علي ان تلك الأفكار تعبر عن وجهة نظر شخصية للسيدة ولا تعبرعن وجهة نظر الحكومة ليس إلا كلاماً معسولاً وخائباً يؤكد ان الحكاية من أولها لآخرها عبارة عن بالونة اختبار وجس نبض خبيث أطاح به الموقف الرسمي المصري القوي الرافض لتلك المهزلة علي لسان وزير خارجيتنا سامح شكري، ويدحضه البيان الرسمي الذي أصدره مبارك مؤخراً، ويكذبه طرح نتانياهو القديم. فالموضوع يدور في أروقة الحكومة الإسرائيلية منذ زمن وليس وليد اللحظة وكلام الوزيرة يعبر بالفعل عن وجهة نظر نتانياهو وحكومته. من يعرفها ويتابع مسيرتها يعلم انها نائبة بالكنيست عن حزب الليكود ومقربة من رئيسه، رئيس الوزراء نتانياهو تتحدث باسمه وتنقل أفكاره. بعيداً عن بيان مبارك الحاسم دعونا نرصد ملاحظاتنا علي حكاية وثائق بي بي سي العربية التي نقلتها يديعوت احرونوت الإسرائيلية. الوثيقة المزعومة والمنشورة عبارة عن صورة قصاصة بالإنجليزية بلا عنوان أو تاريخ أو رأس للصفحة يبين مصدرها هل هي مقتطعة من كراسة تلميذ أم من ملف مكاتبات ام هي صفحة من كتاب مذكرات. كما ان النص المدون بها لا يدل علي المتحدث ناقل الكلام علي لسان مبارك. إن أقل ما يوصف به الكشف اللوذعي لبي بي سي العربية انه يخاصم مبادئ المهنية التي تميزت بها هيئة الإذاعة البريطانية عند نشأتها، ويلقي بظلال من الريبة حول الأهداف السياسية وتوقيت النشر ويطرح الأسئلة عمن يقف وراءه.