بعد عشرة شهور من حديث الإدارة الأمريكية عن مبادرة جديدة لحل شامل للقضية الفلسطينية أو »صفقة كبري» كما يحب الرئيس الأمريكي ترامب أن يصف ما يقول انه قادر علي تحقيقه لإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي وتحقيق السلام في المنطقة.. بعد كل هذه الشهور كان آخر ما يمكن توقعه هو أن تقدم الإدارة الامريكية علي إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطون الذي يعمل منذ الثمانينيات من القرن الماضي!! فجأة.. اكتشف وزير الخارجية الأمريكي »تيلرسون» أنه لا يجد الأسباب التي تدعوه لتجديد الترخيص الممنوع للمكتب لمزاولة نشاطه الذي هو في الاساس التواصل مع الإدارة الأمريكية والحوار مع المؤسسات التشريعية والتنفيذية والسياسية. وهو ما ينبغي الحرص عليه من جانب المسئولين الامريكيين اذا كانت هناك جدية في التعامل مع القضية الفلسطينية ورغبة في تحقيق السلام الشامل في المنطقة (!!). ما يقال عن أن سبب القرار الأمريكي هو الضغط علي السلطة الفلسطينية حتي لا تستمر في إجراءات طلب محاكمة المسئولين الاسرائيليين امام المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني.. لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أن الادارة الامريكية تؤكد انها شريكة لاسرائيل في كل جرائمها!! ولو كان الامر غير ذلك لكانت واشنطون قد وقفت لتقول إنها ضد هذه الجرائم، ولكانت العقوبات قد اتخذت ضد اسرائيل لإجبارها علي عدم تكرار هذه الجرائم.. بدلا من ان يعاقب الضحايا (من الفلسطينيين) لمجرد أنهم يطلبون العدل ويلجأون للمحاكم الدولية لكي يحصلوا عليه!! والاخطر هو ان يكون هذا القرار هو العنوان الابتدائي للمبادرة الامريكية الموعودة (!!) والتي كانت واشنطون قد وعدت بإعلانها في سبتمبر الماضي، ثم أجلتها إلي نهاية العام، ثم بدأت تتحدث عن تأجيلها مرة أخري إلي الربيع القادم. هذه المبادرة التي لم تعلن تفاصيلها وان كانت الدلائل حتي الآن لا تبشر بخير. فإدارة ترامب لم تعلن حتي الآن التزامها بحل الدولتين، ولم تتخذ موقفا ضد استعمار الاستيطان. والتسريبات الأمنية تقول إن ما سيعرض علي الجانب الفلسطيني لا يعني إلا استمرار الوضع الحالي بلافتات جديدة، ومع بعض التحسينات وابقاء القضايا الرئيسية وفي مقدمتها القدس في قائمة المؤجلات!! هنا يصبح القرار الخاص بإغلاق المكتب الفلسطيني كوسيلة ضغط مرفوضة، إعلانا بأن الصفقة الأمريكية الموعودة ليست إلا تأكيدا للانحياز الامريكي الكامل لاسرائيل، وتجاهلا لحقيقة أنه لم يعد لدي الفلسطينيين ما يمكن ان يتنازلوا عنه علي الاطلاق، وان الموقف العربي مع الرغبة الكاملة في تحقيق السلام لا يمكن ان يتجاوز حدود المبادرة العربية بكل ما قدمته من تنازلات لم تقابلها اسرائيل حتي الآن الا بالمزيد من التشدد والمواقف المتطرفة. القرار الامريكي بغلق مكتب منظمة التحرير هو رسالة سيئة في توقيت أكثر سوءا. لن يكلف الفلسطينيين الا الرفض، لكنه سيكلف واشنطون الكثير!!