كنت أقلب أوراقي القديمة فوجدت ورقة مطبوعة باللغة الإنجليزية كتبت في ظهرها ما يأتي : أعطاني حسنين باشا هذه الورقة في يوم 7 فبراير سنة 1943 وقال لي : " سأعطيك نصرا صحفيا ! هذه هي وصيتي !" وتأملت الورقة وقلت له : " إنها قصيدة للشاعر الإنجليزي كبلنج ". قال حسنين : إنها عندي من سنة 1913 وقد قرأتها آلاف المرات، وحاولت أن أجعل حياتي تسير علي هداها ! وأن تكون تصرفاتي علي منوالها وإذا كانت هناك وصية لمن بعدي، ولمن أحبهم فهذه القصيدة هي وصيتي، ولو عشت لجعلت حياتي عبارة عن أبيات هذه القصيدة، ولو مت فستكون حياتي قصيدة ناقصة. قلت له ضاحكا : ستعيش حتي تتم القصيدة. فضحك وقال : خذها علي كل حال. هذا هو الأصل ! كان أحمد حسنين باشا رئيس الديوان ملء السمع والبصر، واليوم أصبح حفنة من تراب ! ووجدت مكتوبا علي القصيدة بخط حسنين : " سنة 1913. بليول. أكسفورد "، وبليول هي الكلية التي كان حسنين تلميذا بها في إنجلترا، ولنقرأ القصيدة : - إذا استطعت أن تحتفظ برأسك في الوقت الذي يفقد فيه من هم حولك رؤوسهم، وينحون عليك باللائمة. إذا وثقت في نفسك في الوقت الذي يشك فيك الجميع، ومع ذلك سامحتهم لأنهم شكوا فيك. إذا استطعت أن تنتظر ولا تمل الانتظار، ولم تقابل أكاذيب الناس بالأكاذيب، وإذا كرهك الناس فلا تكرههم، وإذا تظاهرت بأنك لست أحسن الناس ولا أحكم الناس. وإذا استطعت أن تحكم دون أن تسيطر عليك أحلامك، وان تفكر ولا تجعل التفكير هو كل أهدافك. إذا استقبلت النصر كما تستقبل الهزيمة سواء بسواء، وإذا استطعت أن تتحمل نتيجة أقوالك، وأن تشهد المعول يهدم كل ما كرست من أجله حياتك، وتنحني لتبني من جديد ما تهدم ! إذا استطعت أن تجعل من كل انتصاراتك نصرا واحدا، ثم تغامر به وتفقده، ثم تعود فتبدأ من جديد بغير أن تتحسر علي ما فقدت وما تعبت. إذا صبرت في وقت لا تملك فيه سوي إرادتك، تصرخ فيك وتهيب بأن تتماسك. إذا استطعت أن تتحدث إلي الشعب بغير أن تفقد فضائلك، وأن تصاحب الملوك بغير أن تفقد اتصالك بالشعب. إذا استطعت أن تمنع الأعداء والأصدقاء أن ينالوا منك، وأن تحسب لكل إنسان حسابه، ولكنك لا تخشي الناس مجتمعين. إذا استطعت أن تملأ فراغ كل دقيقة من حياتك بالعمل، وإذا كانت كل ثانية في حياتك تمضي في جهد مفيد. إذا استطعت أن تفعل ذلك كله ملكت الأرض وما عليها، وأصبحت أكثر من ذلك، أصبحت رجلا يا ولدي ! ! *** عندما أقرأ هذه القصيدة أجد قصة حسنين كلها، ومفتاح شخصيته كلها، ولو أن كبلنج وصف حسنين وعاشره لما عرف كيف يرسم صورته كاملة بكل هذه التفاصيل، نعم كانت حياة أحمد حسنين.. قصيدة خالدة ! مصطفي أمين آخر ساعة - 22 فبراير 1950 *** كنوز : أحمد حسنين لمن لا يعرف هو رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فاروق عام 1940، توفي ظهر 19 فبراير 1946 في حادث مروع عندما اصدمت سيارة لوري بريطانية بسيارته علي كوبري قصر النيل.