أخيراً خرجت فرنسا من مقبعها وراء الستار.. وألقت بثقلها السياسي في جهود حل أزمة الشيخ سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني المستقيل. فرنسا تمتلك مسوغاً تاريخيا تقليديا للتدخل في الشأن اللبناني. فلبنان جزء مهم من الفناء السياسي الخلفي لباريس الراعي الرسمي للبنان منذ ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي. كما ان سعد الحريري نفسه يعتبر مواطناً فرنسياً يحمل جنسيتها كما يحمل الجنسيتين اللبنانية والسعودية. من الواضح ان فرنسا قررت الظهور علي الساحة بعد اسبوعين تقريبا من المراقبة والتحركات الخفية والتنسيق مع الرئيس اللبناني ميشيل عون للاضطلاع بدورها في الاطمئنان علي مصير »مواطنها» سعد الحريري وسط انباء عن صفقة تشمل نقل الشيخ سعد وعائلته من الرياض إلي باريس وانسحابه نهائيا من السياسة مع استبداله بشقيقه الأكبر بهاء الدين الحريري في تولي زعامة تيار المستقبل الذي أسسه الوالد الراحل رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق ثم خلفه في زعامته بعد اغتياله الابن الأصغر سعد الحريري. في تلك الأثناء منذ ماقبل 2005 وقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت المعلومات التي تتردد هي أن الحريري الأب هو من قرر توريث ابنه الأصغر »سعد» لمسيرته السياسية وليس الأكبر بهاء الدين. وان سعد كان يحظي بدعم السيدة نازك الحريري الزوجة الثانية لوالده ولم تعترض فرنسا باعتبار المسألة شأناً عائلياً كما لم يبد أحد من تيار المستقبل أي ملاحظات علي ذلك الاختيار من منطلق انها وصية الأب الروحي ومؤسس التيار. لو صحت معلومات الصفقة الأخيرة فمن الممكن النظر إليها من زاوية ان قيادة التيار السني في لبنان ماتزال في جعبة عائلة الحريري وانها ماتزال تحظي بالثقة في إمكان الاعتماد عليها في القيام بهذا الدور رغم الانقلاب علي شخص سعد الحريري، إلا ان موقف تيار المستقبل كقوة سياسية كبيرة في بلاد الأرز من تلك الصفقة بعده يغمض علي المراقبين في ظل عدد من التصريحات المتضاربة من قياداته في لبنان. كما يمكن الاقتناع بأن سعد الحريري نفسه لايملك رفض هذه الصفقة علي الرغم من ان العلاقة بينه وبين شقيقه الأكبر ليست علي خير وجه فربما مازالت الغصة تملأ قلب الشقيق الأكبر لاستبعاده من وراثة أبيه سياسيا واقتصاديا في ادارة امبراطوريته المالية لاسيما انه انفصل عن تلك الإمبراطورية بعد مقتل والده بثلاث سنوات. لهذه القناعة العديد من المبررات البعيدة عن السياسة ففي مجال المال والبيزنس لم يظهر سعد »كرامات» استثمارية ويتحمل في نظر شركائه السعوديين مسئولية انهيار شركة سعودي- اوجيه وهي شركة متعددة النشاطات بدأت كشركة مقاولات واشغال عامة قبل ان تطور نشاطها ليشمل الطباعة والاتصالات والعقار وخدمات الكمبيوتر. الشركة مملوكة لعائلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري والامير فهد بن عبد العزيز آل سعود وكان مديرها التنفيذي هو ايمن رفيق الحريري الاخ الأصغر غير الشقيق لسعد وبهاء الدين. الشركة التي وصلت ايراداتها عام 2010 الي ثمانية مليارات دولار اعلنت فجأة افلاسها في يوليو من العام الجاري واغلقت ابوابها وسرحت موظفيها. خبراء الاقتصاد يرجعون افلاس الشركة إلي سوء الإدارة، وقد يكون ذلك بعد ابتعاد بهاء الدين عن المشاركة في ادارتها. بهاء المرشح لخلافة شقيقه سعد في السياسة اللبنانية يعتبر ثالث أثرياء لبنان وتضعه مجلة فوربس في المرتبة939 في قائمة أغنياء العالم. معروف انه تلقي تعليمه الجامعي في جامعة بوسطنالأمريكية وتخرج فيها. لكن اهم ما يلفت النظر عنه انه تبرع في 2015 بأكثر من مليون دولار للمجلس الأطلنطي أحد خلايا التفكير الأمريكية الذي يهتم بمجالات الأمن والسياسة الدوليين بما يشير إلي ارتباطه بعالم السياسة الأمريكية بشكل ما وربما يضعه في صدر قائمة حلفاء ماما أمريكااللبنانيين. من الطبيعي أن تنشط شهية بهاء الحريري لتبوء مكانته السياسية في لبنان ويحتل مكانته المستحقة من وجهة نظره والتي حُرِم منها طيلة العقد الماضي، لكن حتي لو تمت صفقة البديل فسيظل لبنان رهنا لتفاعلات سياسية كبري.. لهذا حديث آخر.