لا يوجد سبب حقيقي قد يدفع زعماء العالم لاتخاذ قرار التدخل العسكري من أجل حماية الأبرياء من مسلمين الروهنجيا في بورما. فعندما تغيب المصلحة يغيب الفعل ويستبدل بعبارات الشجب والإدانة وأحيانا التهديد أو بمعني أصح التهويش الفارغ شكلا وموضوعا. هذا هو الواقع المرير الذي أصبحنا نرصد ملامحه الخبيثة في التعامل الدولي مع جريمة التطهير العرقي التي يتعرض لها مسلمو الروهنجيا. فالجميع يشجب ويدين ويتوعد ويهدد بينما تتواصل أعمال القتل والاغتصاب والتهجير القسري داخل بورما وترتفع أعداد النازحين الفارين من الجحيم إلي جحيم آخر قد ينتهي بالغرق في قوارب متهالكة في البحر قبل الوصول لبر الأمان أو قد يأتي الموت داخل مخيمات اللاجئين التي أصبحت مكتظة وتغيب عنها أبسط الخدمات. باختصار مع الروهنجيا تعددت الأسباب والموت واحد. وإذا أردنا الدقة في وصف البرود العالمي إزاء الجريمة المنظمة التي ترتكب منذ أكثر من شهرين في حق الروهنجيا علينا النظر لجملة »القلق البالغ» التي تجتاح بيانات الإدارة الأمريكية. ثم نمضي نحو الدراسة الصعبة والتفكير العميق في امكانية فرض عقوبات اقتصادية ضد جنرالات جيش بورما والتي تحتاج سنوات لاتخاذ مثل هذا القرار حتي يتسني للجنود قتل من بقي من مسلمي الروهنجيا الذين مازالوا علي قيد الحياة. أو لعلنا نتحدث عن دور الأممالمتحدة الذي يقتصر علي وضع قوانين لا تسري علي طغاة العالم ومضيها قدما نحو تنظيم مؤتمرات للمانحين من أجل مساعدة من بقي من المستضعفين علي الحياة في مخيمات اللجوء المكتظة علي الحدود. وحتي هذا التوجه أصبح مدعاة للسخرية بعد أن احتالت حكومات الدول المانحة علي المنظمة ولم تقدم سوي 116 مليون دولار من أصل مبلغ 434 مليون دولار طلبتها الأممالمتحدة لمساعدة اللاجئين في توفير الغذاء والماء الصالح للشرب والمأوي والأدوية. »مسئولية الحماية » هو المبدأ الذي تتضمنه مواثيق الأممالمتحدة من أجل حماية المدنيين من أعمال الإبادة العرقية التي وقعت في التسعينيات في الصومال والبوسنة وكوسوفو ورواندا. وكافح العالم طويلا من أجل تحقيق التوازن بين احترام سيادة الدولة وضرورة منع قتل المدنيين. وفي عام 2001، أصدرت الأممالمتحدة بيانا يؤكد أن الدول تتحمل المسئولية الرئيسية عن حماية مواطنيها. ولكن إذا لم يتمكنوا أو لم يفعلوا ذلك، فإن هذا الدور يمكن أن يمارسه المجتمع الدولي. ولكن مع الأيام ثبت سطحية كل هذه القوانين في التعامل مع الكوارث الإنسانية خاصة أن دولا مثل أمريكاوالصين أكبر قوتين في العالم تنصلوا من هذه المسئولية في كثير من الملفات وآخرها أزمة الروهنجيا. بل إن الصين تساند حكومة بورما العسكرية وتبطل أية إجراءات عقابية قبل أن تصدر في حين لم يجد رجل الأعمال ترامب أية مصلحة بعد كي يوقف مجازر قتل المسلمين في بورما. أما الاتحاد الأوروبي فهو غير معني بالقضية علي الإطلاق فهو لم يحل بعد إشكاليته وقيمه المنقوصة في التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين كي يهتم بأزمة اللاجئين الروهنجيا. وتتواصل الأنباء عن البحث المضني الذي تجريه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات موجهة ضد قادة الجيش في ميانمار.أما روسيا والهند ودول أخري فهي تفضل السير في ركب النظام العالمي المتخاذل لتعزيز مصالحهم الخاصة في المنطقة. ويختلف الوضع الميداني كثيرا عن حالة البرود التي يتسم بها الموقف الدولي وان شئنا أن نقول أيضا الموقفين الإسلامي والعربي ، فداخل بورما لم يعد هناك مسلمون سوي في 5 قري فقط تقع في مدينة راسيدونج من بين مئات القري التي كان يسكن فيها المسلمون الروهنجيا في شمال ولاية أراكان. وهي قري محاصرة ولا يسمح لمن فيها بالخروج للعمل ونفد منهم الغذاء والدواء وينتظرون مصيرهم المحتوم الذي لن يختلف كثيرا عن مصير كل روهنجي مسلم. وتواصل الحكومة منع وصول المساعدات الإغاثية بل ترعي مظاهرات للمتطرفين البوذيين الذين يدعون لعدم إعادة مسلمي الروهنجيا إلي البلاد. وكما يفعل كل المجرمين تقود بورما حملة دعائية مضادة تتنصل فيها من جرائمها وأعلنت أنها كونت لجانا خاصة بزعم إجراء تحقيقات عادلة في التهم المنسوبة إلي الجيش بحرق منازل الروهنجيا وقراهم وتشريد مئات الآلاف منهم وملاحقتهم بالرصاص واغتصاب نسائهم وفتياتهم منذ اندلاع أحداث العنف الطائفية الأخيرة. ويتم إجبار الأهالي الذين لم يتمكنوا من الفرار والنزوح حتي الآن بالاعتراف تحت التهديد بأن النازحين هم من قاموا بحرق بيوتهم بأيديهم قبل نزوحهم إلي بنجلاديش. ويبتلع البحر جثثا للاجئين الروهنجيا غرقت قواربهم ولم يتمكنوا من النجاة ويتكرر مشهد غرق الطفل السوري إيلان الغارق علي سواحل بنجلاديش ولكن الفرق هو وجود آثار تعذيب اجرامي علي جثث الأطفال الملقاة في البحر. أما الأطفال الباقون علي قيد الحياة والذين يمثلون تقريبا نصف عدد اللاجئين فهم يعانون من أمراض سوء التغذية وينتهي بهم المطاف للعيش في مخيمات مزدحمة تفتقر إلي الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب وكثير منهم يعيشون في العراء. ووفقا للإحصائيات فقد فر حتي الآن أكثر من 75 % من مسلمي الروهنجيا من ولاية اراكان معظمهم يتواجد في بنجلاديش التي أصبحت مسئولة عن أكثر من مليون لاجئ في حين تقدر منظمة الهجرة الدولية العدد ب 589 ألف شخص فروا من بورما منذ أغسطس الماضي. وارتفعت أعداد النساء والفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب علي يد جنود في الجيش ويحتجن لمساعدة عاجلة نتيجة الاضطرابات النفسية الخطيرة التي تعانين منها خاصة ان 50% منهن بلغت أعمارهن أقل من 18 سنة وبينهن فتيات لم يكملن 10 سنوات. ولا ندري كيف ستجمل حكومة بورما كل هذا القبح ولن نتعجب إذا قرأنا تصريحا رسميا يفيد بأن هؤلاء الفتيات قد اغتصبن أنفسهن.. وستبقي العدالة الناجزة بيد الخالق.