كان شتاء عام 1912 هو أهم فترة في حياة عالم الآثار الألماني لودفيج بورخارد؛ فلقد كان يعمل في الحفائر بتل العمارنة؛ واكتشف المرسم الخاص بالنحات الملكي تحتمس. وقد رويت العديد من القصص حول الكشف عن رأس الملكة نفرتيتي بمرسم النحات تحتمس! منها أن بورخارد قام بتغطية الرأس الجميل بالطين ليخفي جماله عن أمين المتحف المصري المسئول عن إجراء القسمة بين البعثة الألمانية والمتحف المصري! وقيل إنه بسبب هذه الحيلة لم يستطع جوستاف لوفيفر أمين المتحف المصري رؤية رأس نفرتيتي وبالتالي ذهبت الرأس بالخديعة والغش إلي متحف برلين. وأذكر أنني عندما تحدثت عن هذه القصة للصحافة العالمية مطالبا بعودة الرأس؛ اعترض ديترش فلدونج مدير متحف برلين علي هذه القصة؛ بل وأعلن أن الرأس خرج من مصر بطريقة شرعية؛ وعندما قمت بزيارة برلين لأول مرة كنت أفكر في هذه اللحظة التي سوف أقف فيها أمام رأس الملكة نفرتيتي! وعندما وقفت أمامها لم أتخيل أن يوجد فنان يمكن أن يبدع في نحت تمثال بكل هذا الجمال والإتقان الذي يصل إلي حد الكمال. لقد أصبح رأس الملكة الجميلة نفرتيتي هو المرادف لكلمة جمال؛ بل إنهم عندما يريدون وصف امرأة بالجمال يشبهون رقبتها الطويلة برقبة نفرتيتي وعيونها المرسومة بدقة بعيون نفرتيتي وشفاهها الممتلئة بحساب بشفاه نفرتيتي.. باختصار أصبحت نفرتيتي هي عنوان جمال المرأة في كل العصور. وعلي الرغم من أن الرأس الجميل يخلو من أي كتابات أو نقوش فالتمثال لم يختلف اثنان علي نسبه للملكة نفرتيتي والسبب هو ذلك التاج المميز الذي لم ترتده سوي الملكة نفرتيتي؛ ولم تحاول ملكة أو أميرة أخري ارتداءه طوال التاريخ المصري القديم. لقد أخذت علي نفسي عهداً بأنني إذا صرت في يوم من الأيام مسئولا عن الآثار فسوف أفعل كل ما بوسعي للكشف عن سر خروج رأس نفرتيتي من مصر؟ وبالفعل ومنذ العام 2002 وأنا أبحث في كل الوثائق عن سر الرأس؛ وقمت بعمل إدارة لأول مرة مهمتها العمل علي ملف استرداد الآثار؛ وكونت فريق عمل علي أعلي مستوي من الأثريين والباحثين المصريين والأجانب وشكلنا اللجنة العليا لإدارة الآثار المستردة بقرار من رئيس الوزراء ومن أهم الشخصيات القانونية والدبلوماسية. واستطاع الفريق الذي شكلته للبحث عن لغز خروج الرأس أن يثبت أن بورخارد عندما كشف الرأس قام بتسجيله علي أنه رأس من الجبس؛ علي الرغم من أنه كان يجب تسجيله كالآتي: رأس للملكة نفرتيتي من الحجر الجيري الملون! وكان القانون في ذلك الوقت يمنع خروج أي تمثال ملكي من الحجر الجيري من مصر ولا تجري عليه القسمة. وبالطبع يختلف الوضع إذا كان التمثال غير ملكي ومصنوعاً من الجص أو الجبس. وبهذه الطريقة تحايل بورخارد علي جوستاف لوفيفر مسئول القسمة الذي اكتفي فقط بقراءة سجلات بورخارد ولم يحاول التحقق من حقيقة وقيمة الرأس الذي زعم بورخارد أنه من الجص! ظل التمثال مختبئا في ألمانيا قرابة عشر سنوات وبعد أن ظهر للنور وجدت الحكومة المصرية أن هناك تدليساً وخداعاً في خروج الرأس؛ ولذلك طلبوا من هتلر أن يرجع الرأس إلي مصر وبالفعل وافق ثم عاد في قراره بعد أن شاهد جمال الرأس؛ ومن يومها ورأس نفرتيتي هو أهم قطعة فنية في متحف برلين الذي أعيد بناؤه ويعرف الآن باسم المتحف الجديد. والبعض من باب إغاظة المصريين يطلق علي رأس نفرتيتي اسم ملكة برلين! وقريبا أو بعد حين ستعود نفرتيتي إلي بلدها مصر.