ان ما يحدث الآن في مصر علي أيدي الشباب المخلص الثائر، قد أعاد للفرد كرامته وعزته وحريته، لن يخضع بعد هذه الوثبة لاستبداد ولن يكون هدفا لظلم، وقد حاولت الدولة طوال الثلاثين سنة الماضية أن تجعل من نفسها أساسا لابد أن يخضع الفرد لإرادتها الممثلة في رئيسها، في حين أن الدساتير شرعت، والبرلمانات أقيمت لتكون الأمة مصدر السلطات، تكريما للفرد واعزازا له، فالدولة إنما توجد لخدمته، ولا يوجد هو هدفا لاستبدادها، هذا هو المفهوم للديمقراطية الحقة، ولكن للأسف قاد النظام أشخاص لا خبرة لهم، ولا يعرفون المفهوم السليم للديمقراطية، وحسبوا أن تزوير الانتخابات، وإلغاء المعارضة، والكذب علي الشعب وخداعه، سوف يجعلهم يسيطرون ويتحقق لهم الاستمرار، ولكن سرعان ما انهار النظام بفضل هؤلاء الجهلة المخادعين، فليست هناك دولة تغرر بالأفراد الذين تتألف منهم، وليست هناك عظمة يمكن أن يشاد صرحها علي دماء ودموع ومظالم ومظاهر كاذبة واستبداد، إنما يشاد الصرح القوي علي أساس متين من الحرية المكفولة لكل إنسان والكرامة المتوافرة لكل مواطن. ان الاستبداد بالسلطة، وتجاهل الشعب وخداعه، لا ينشيء عقولا مدبرة خلاقة، ولكنه ينشيء أتباعا يؤمر الواحد منهم فيطيع، يقع عليه الظلم فلا يشكو، يضرب ويهان فيقبل الضرب والاهانة. والأمة التي ترضي بالاستبداد، وتعيش في ظله أمة قضي عليها بالموت، ليس فيها قانون يحترم، ولا حق يقام له وزن، ولا كرامة يذاد عنها، فحيث يكون الاستبداد، لا تكون إلا إرادة المستبد شخصا كان أو طائفة سياسية أو دينية أو حزبية، فالقانون ينبغي له الاحترام اذا وافق هوي المستبدين، فإذا كان لا يتفق مع هو أهم فالتحايل عليه ممكن، وإلا فإلغاؤه والخروج عليه. وليت الأمر يقف عند القوانين الموضوعة، بل انه يتناول الدين والشرائع السماوية، فإن أحكامها اذا ما وافقت هوي المستبد فإنها تكون موضع الرعاية والتقديس، أما اذا وقفت حائلا دونها، كان لابد من الفتوي والمفتين، وما أكثرهم، يبذلون علمهم ودينهم حسبة لوجه الشيطان! ان أوضح مثل في العالم للاستبداد والدكتاتورية، ألمانيا الهتلرية وايطاليا الفاشيستيه، لقد عاشت كل منهما فترة في أوج عظمتها، ولكن البناء كان قائما علي الخداع والكذب والأباطيل، وكان سوس الاستبداد ينخر في عظام الأمة، كانت إرادة مجنون واحد هي التي تسير وتقود 09 مليونا من البشر في ألمانيا، وإرادة مجنون واحد كانت هي التي تسير 04 مليونا في ايطاليا، ومع ذلك فماذا كانت النتيجة؟ ان الظلم والاستبداد والاعتداء علي الحريات، ليست لها جميعها إلا نتيجة واحدة محتومة هي الخراب والدمار والتأخر والعودة إلي الوراء.. وكل هذا يكون في النهاية علي أشلاء المستبد والمستبدين.. والضحايا هم أفراد الشعب المنكوب. تحية من القلب لشبابنا الثائر علي النظام الذي سلم قيادته لأشخاص غير مخلصين، لا هدف لهم سوي ممارسة الاحتكار والتربح والاثراء وجمع المغانم علي حساب مصلحة الوطن، مستغلين صفتهم الحزبية، وحماية لجنة السياسات التي قادت البلاد إلي هذه النهاية.