رغم أنه كفيف .. يغزل السلال بمهارة وسرعة-«تصوير: عبدالمنعم ممدوح» لم يختاروا الظلام،ولكن شمس الارادة سطعت في قلوبهم وجعلت المستحيل واقعا ، وبأنامل أصابعهم نسجوا الأمل وصنعوا التحدي ، ليهزموا بقدراتهم الخاصة أي عجز قد أصابهم.. إنهم المكفوفون الذين تحدوا الاعاقة وصنعوا الامل داخل مركز قصر النور النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين في شارع جسر السويس بالقاهرة الذي انشأه الزعيم جمال عبد الناصر عام1953 ، بمجرد ان تطأ قدمك بوابة المركز يقشعر بدنك من مشهد شاب في العشرينيات من العمر يرتدي نظارة سوداء تتقدمه عصا تدله علي الطريق او رجل في الخمسينيات يحمل كتباً متوجها الي احد مباني المركز دون أي مساعدة ، وغيرها من المشاهد التي قد تكون عادية ورأيتها الاف المرات ، الا ان ما يحتويه المبني من قصص تحد ونجاح تجعلك تقف فخراً امامها. داخل المركز الذي يحتوي علي مطبعة متكاملة لطابعة كتب بريل الخاصة بالمكفوفين، يقف محمد بديع علي ماكينة قص الورق الذي يتنقل بين يديه بإنسيابية لتجهيزه حسب حجم المطبوعة المطلوبة منه ، وباتقان شديد وحرفيه عاليه ورغم خطورة التعامل مع سلاح القص اليدوي والماكينة الالكترونية الا ان خبرته وإرادته جعلاه يتعامل معهما اكثر انتاجاً من بعض المبصرين ، يقول محمد انه يعمل علي الماكينة منذ 7 سنوات سواء اليدوية ومن بعدها الالكترونية والتي تعمل بنظام الماني يتوفر فيه الامان عن سابقتها من خلال ليزر يوقف السلاح اذا وضعت يدك اثناء القص مشيرا اليانه تحدي احد الالمان من الشركة المصنعة للماكينة بأن يستطيع تشغيلها بكفاءة عالية وبالفعل جاء الي مصر وكتب عني مقال بمجلة ألمانية ولم يكن يصدق ما رآه.. وبأصابعه الذهبية يكتب علي ماكينة بريل كأنه يعزف مقطوعة موسيقية علي البيانو، محمود عثمان رئيس المطبعة وأحد المكفوفين الذي يعمل بها منذ سنوات ومهمته هي الكتابة علي الالواح المعدنية التي تستخدم في ماكينة الطباعة ويشرح طريقة عمله ويقول في البداية يقوم بتركيب اللوح المعدني علي الماكينة ويقوم بثقبها من خلال 6 أزرار والتي تحرك الماكينة في حركة تشبه الالة الكاتبة وتقوم بثقب اللوح بطريقة بريل وفقا للاشكال والحروف وعند نهاية السطر ابتكرت انذاراً حتي يحذرني للانتقال الي السطر التالي ، مشيراً الي انه يستطيع الكتابة علي هذه الماكينة كل الحروف العربية والاتينية والرموز الحسابية والرياضية والنوته الموسيقية ، وبعد الانتهاء من الكتابة يقوم بالمراجعة والتصحيح اذا كتب نقطة او حرفا خطأ . ووسط أروقة المركز دخلنا الي قسم الصناعات الحرفية وكان المشهد أكثر من رائع مجموعات من المكفوفين يجلسون بجوار بعضهم البعض ويعملون مثل خلية النحل كل منهم يعرف دوره وكل حسب تخصصه ، يقول رجب حنفي 45 سنة انه يعمل في الصناعات الخاصة بالخرزان مثل الكراسي والترابيزات وانه قضي من عمره 25 عاماً في هذا المجال ، وان المركز له دور كبير في تأهيل الكفيف وتعلميه المهارات الحرفية كما يتم بيع منتجاتنا من خلال معرض المركز او بطلبيات خاصة. وداخل ورشة صناعة ادوات النظافة يقول يوسف محمد انهم يقومون في هذا القسم بتصنيع العديد من الادوات التي تستخدم في النظافة مثل الفرش والمكنسة اليدوية والزعافات وغيرها من الادوات ويكون لكل فرد داخل الورشة مهمته في صناعة المنتج، ويضيف عماد فؤاد انهم منذ سنوات يتعلمون داخل المركز ويتدربون علي المهارات التي تمييز كل شخص فيهم وانهم يأتون كل يوم الي المركز عدا الخميس والجمعة حتي يعملوا وقال ان المركز يوفر الكثير من وسائل الراحة والتدريب للمكفوفين. يقول احد المكفوفين فضل عدم ذكر اسمه ان المركز جيد جدا ولكنه يحتاج المزيد من الدولة حتي يرتقي ويتطور كما علي الدولة دور كبير في توفير مناخ مناسب للمكفوفين للحياة بسهولة داخل المجتمع بدأ من التعليم والصحة ورصف الطرق ووسائل المواصلات وتطبيق نسبه ال 5% للتعيين داخل مؤسسات الدولة وغيرها من المطالب وحقوق المكفوفين التي يتمني تحقيقها. حسن شميس رئيس المركز المفوض من وزيرة التضامن لحين إجراء الانتخابات ، أكد ان المركز يهتم بكل نواحي حياة الكفيف بداية من الرياضية ففريق المركز حصل علي دوري كرة القدم للرجال المكفوفين ، اضافة الي النواحي التعليمية والمهنية والتأهيلية يحتوي المركز علي العديد من الاقسام التي تخدم المكفوفين من المهد الي اللحد والذي يصل اعدادهم الي 560 اسرة بداية من قسم الرعاية المبكرة للأطفال قبل سن المدرسة من سن 3 سنوات ، والارشاد والتوجيه الاجتماعي والنفسي لأسر الأطفال ، توفير التعليم العام الأساسي والثانوي عن طريق مدارس وزارة التربية والتعليم ، توفير التأهيل المهني للحالات التي لا تسمح قدراتها بمواصلة التعليم من خلال الحرف المختلفة المناسبة اضافة الي اكبر مطبعة في الشرق الاوسط والتي تقوم بطباعة كتب المكفوفين الدراسية لجميع مدارس المكفوفين والكتب الدينية والثقافية وكتب الأطفال كما يقوم المركز بالأسهام في إعداد وتأهيل معلم الكفيف من خلال البعثة الدراسية التخصصية. لمياء متولي عمرو علاء الدين