والعجيب أن الرافضين لموقعها المُقترح بشرق القاهرة لتعرضها المباشر لأي هجوم هم من دأبوا علي العتاب للتقاعس عن تعمير سيناء منذ الإعلان (الرسمي) عن اعتزام الحكومة المصرية إنشاء عاصمة جديدة لم تتوقف فضائيات الإعلام المضاد ولا صفحات جرائدهم الورقية والإليكترونية ولا صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي عن إعراب «المتشائمين» من الخبراء وأساتذة الجامعة في شتي المجالات عن قلقهم بشأن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الحكومة المصرية بإتخاذها قراراً بإنشاء العاصمة الإدارية شرق القاهرة.. وكما خصصت مقالين لمحاربة (التهويل) آخرهما «من الأقوي روسيا ولا أمريكا»، فقررت تخصيص مقالي هذا لمحاربة (التهوين) أيضاً. فلقد اجتمع معظم المتشائمين علي رفضهم للمكان المُقرر للعاصمة الإدارية، باعتباره امتدادا لمحافظة القاهرة مما لا يحقق الهدف الأساسي التي تبني من أجله، وضُرب المثل بمدينة (برازيليا) في البرازيل، باعتبارهما نموذجاً مثالياً وجب أخذ حذوه لبعدها مسافة تزيد عن (500) كيلومتر من العاصمة الأصلية مما يخفف الضغط عنها، ولذا يرون أن العاصمة الإدارية في مصر كانت من المفروض أن تُنشأ في سهل المنيا أو في الوادي الجديد. ومنهم من أعلن أيضاً رفضه للمكان، نظراً لقربه من خط الجبهة بسيناء (كما يتصور) مما يمثل خطورة شديدة علي العاصمة، والتي يؤدي استهدافها بالنيران المعادية لإصابة القرار المصري بالشلل التام.. ولا أتعجب «لسيادته» فلقد اعتدت منه التشاؤم من كل فكرة أو قرار رئاسي أو حكومي، وكأن الصح والمنطق انعدموا من الحياة في نظره. وعلي أي حال يجب أن نعلم أولاً أن الوزارات والمنشآت الحكومية ستُنقل إلي العاصمة الجديدة مع إنشاء الفنادق والمزارات الترفيهية بها، وستضم (1.1) مليون وحدة سكنية، لتستوعب(5) ملايين نسمة.. لتتسم بالطابع الإداري والإقتصادي، وسيتحقق فيها مستويات راقية من الخدمات جديرة بمدينة عالمية متطورة توفر معيشة راقية بها، وذلك علي مساحة (700) كيلومتر مربع، أي ما يقرب من ربع مساحة محافظة القاهرة.. وقد تم اختيار موقعها في المنطقة بين طريقي القاهرة/السويسوالقاهرة/العين السخنة شرق الطريق الدائري الإقليمي مباشرة، أي بعد القاهرة الجديدة وما يجاورها، لتبعد حوالي (45) كيلومترا شرق القاهرةمع إمكانية أن تمتد إلي البحر الأحمر، وتبعد عن السويس والعين السخنة حوالي (60) كيلومترا، مما يجعلها تخدم وتتكامل مع التنمية التي ستنشأ عند تنمية محور قناة السويس من الجنوب. بالنسبة لمن يري في بعد مسافة «برازيليا» تجنباً للزحام مبرراً كافياً لاختيارها، أعتقد أنه علي خطأ،لاختلاف نظام الحكم والهيكل الإداري البرازيلي عن المصري، فالبرازيل دولة اتحادية «فيدرالية» لديها العاصمة الاتحادية في «يرازيليا» والولايات والبلديات، ولكل ولاية حكومتها وقانونها وتعاملاتها الإدارية الخاصة بها، ومن ثم فلا حاجة للسفر مسافات طويلة للعاصمة الاتحادية، كما أن طبيعة أرض البرازيل الشاسعة وكثرة الأنهار بها تتيح الفرصة لمعيشة البشر علي قدر كبير منها بخلاف طبيعة اللأرض بمصر، والتي تم اختيار مكان عاصمتها الإدارية لسحب زحام القاهريين وأبناء المحافظات إلي مخارج القاهرة تجنباً لمنطقة «وسط البلد»، وليس بهدف نقل جزء من سكان القاهرة لمنطقة نائية دون المقدرة علي توفير كافة مستلزمات الحياة لهم.. ولك أن تسال أي برازيلي عن ظروف العاملين بوظائف اتحادية، وموقف جلسات أعضاء البرلمان مثلاً!! لتجد أن الدولة تتحمل أعباء توفير سكن إداري لهم غير تكاليف تذاكر الطيران من وإلي ولاياتهم الأصلية وبدلات أخري.. وطبعاً خلال الإجازات الرسمية والأعياد تتحول «برازيليا» إلي (مدينة الأشباح). والعجيب أن الرافضين لموقعها المُقترح بشرق القاهرة لتعرضها المباشر لأي هجوم إسرائيلي هم انفسهم من دأبوا علي عتاب المسئولين لتقاعسهم يشأن تعمير سيناء وحث المصريين علي العيش فيها ليكونوا أول خط صد لمواجهة الإسرائيلين.. وحتي لو نظرنا من زاويتهم علينا أولاً أن نسأل أي ضابط «دفاع جوي» عن إمكانية اقتراب الطيران المعادي من الشرق إلي شمال العين السخنة، سيرد عليك ببساطة أن السلسلة الجبلية العالية المتواجدة علي طرق اقتراب واتجاهات تقدم المقاتلات القاذفة للعدو لن تسمح لهم بالهجوم إلا من ارتفاعات عالية جداً مما يسهل إسقاطها بصواريخنا المضادة للطائرات. لم أتحدث عن عبقرية المكان لعاصمتنا الإدارية الجديدة سواء لقربها من المنافذ البحرية أو إحيائها المدن الجديدة من حولها وما ستحويه من عوامل جذب، فلقد تم شرحه جيداً بواسطة المسئولين، ولكن ما يلفت النظر أن فكرة العاصمة الإدارية مطروحة من قبل وتحديد مكانها الحالي ليس بجديد بل تمت الإشارة إليه مسبقاً، ولم يتفوه أحد بكلمة أو يدل برأي إلا بعد الإعلان عنه رسمياً.. ليتنا نعيش فرحة التحول والنهوض بمصر ونجاح مؤتمرها الإقتصادي، وكفي «عواجيز الفرح» لًتا وتشاؤما.