بقعة زيت.. عجيبة فعلا طولها 100 متر وعرضها 20 مترا سبحت فوق مياه النيل من الجنوب الي الشمال تحت سمعنا وبصرنا وصمتنا لمدة عشرة ايام ولا نعرف من اين جاءت ولماذا وكان نصيب المسئولين منها هو النظر في الوقت الذي كانت البقعة الزيتية تغني »يا من يفكر في صمت ويتركني في البحر« شيء عجيب فعلا! هل من المعقول ان تمر البقعة الزيتية في مجري النيل مرور الكرام لمدة عشرة أيام.. وان تقتصر الانباء عنها في الصحف علي الموعد المتوقع وصولها للمحافظة التالية وان يتواري دور وزارة البيئة وراء بيانات عامة لا تعكس ادراك الخبراء لمخاطر تلوث مياه النيل.. وتهديدها لحياة الانسان والحيوان والنبات؟! كيف مرت البقعة الزيتية طوال هذه المدة عبر وادي النيل بلا اي محاولة لمقاومتها او الاسترشاد بالهيئات والمنظمات الدولية.. صاحبة الخبرة في مقاومة هذا اللون من التلوث.. او حتي مجرد الاستغاثة بالامم المتحدة؟ لم نسمع اي استغاثة.. لا من وزارة الري المسئولة عن النيل ولا من وزارة البيئة المسئولة عن السحابة السوداء ولاذ الجميع بالمتابعة من بعيد لبعيد علاوة علي التصريحات التي تصدر عن المحافظات بوصول البقعة والموعد المتوقع للمغادرة.. واختفت من المشهد كله 15 من الجمعيات الاهلية المصرية التي اعتادت مصاحبة الوفود الرسمية في زياراتها المتواصلة لدول حوض النيل لتعزيز اواصر الصداقة بينها وفي مقدمتها مؤسسة مصر الخير وبنك الطعام المصري وجمعية »رسالة« واتحاد الاطباء العرب.. ومؤسسة صناع الحياة ومؤسسة الانسان المصري.. الخ.. جمعيات اهلية لا اول لها ولا اخر تسافر مع الوفود لاثيوبيا واوغندا وجنوب السودان مع مجدي عامر منسق شئون دول حوض النيل بوزارة الخارجية لبحث التعاون بين دول الحوض لما فيه مصلحة شعوب الاقليم وتحقيق التعاون المنشود بين الجهود الحكومية والاهلية علي حد قولهم.. هذا التعاون المنشود بين الجهود الحكومية المصرية والاهلية اختفي بعد ظهور البقعة الزيتية فوق مياه النهر الخالد ولم نسمع ري الاسلام في تلويث المياه علي لسان احد الدعاة الذين يموج بهم المشهد السياسي بشكل يزيد في دورة الدم ويرفع الضغط ومعهما حركة التنفس ولم نسمع احدا يخرج علينا بتفسير الآية الكريمة »وجعلنا من الماء كل شيء حي«. اصيبت كل هذه الجهات التي تحمل الدفوف والمزاهر عند الاعلان عن جمع التبرعات وتحصيل اموال الزكاة بمرض الطناش.. رغم خطورة حالات التلوث التي يتعرض لها مجري نهر النيل بمجرد وصوله لحدودنا الغالية.. لقد اقتصرت رؤيتنا لنهر النيل علي المشروعات التي تقام علي النهر في دول الجوار والتي يدعي البعض منا انها تهدد مصالحنا وحصتنا في المياه ولم تخطر ببالنا فكرة حماية النهر من الموت علي ايدي عصابات القاء المخلفات وجثث القتلي والسولار وبذل الجهود الوطنية لحماية النهر من الموت.. ونشر نعيه في صفحة الوفيات. والمثير في الموضوع انه وسط هذا »الطناش« الرسمي تتحدث الصحف عن اننا امام اكثر من بقعة.. وقالت وزارة المرافق »!!« انها رصدت بقعة زيت جديدة.. وانها اوقفت تشغيل محطة تنقية المياه في مدينة »العياط« وبدأت في استخدام مياه الطوارئ التي تكفي للاستخدام لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات وسمعنا عن بقعة اخري قيل انها ظهرت شمال مصنع سكر ادفو بمحافظة اسوان وهلمجرا! وتضاربت الانباء وسط الطناش الرسمي واختلطت علينا »البقع« ولم نعد نعرف طريق الخلاص من هذا البلاء العظيم الذي حل علينا فجأة.. ونحن نواجه مشاكل المصير المجهول في العديد من الكوارث التي باتت تحيط بنا من كل جانب وكلما خطونا خطوة.. رأينا من الخداع والنفاق والغش والمكر صنوفا واضرابا تطيح بقضايا مصيرنا ومستقبل اولادنا وتلقي بنا في متاهات النقاش حول اصول التحية ورد السلام واصول القيام والقعود.. ومعهما مدة الوقوف بعد السجود. ولذلك نقول ان تلوث الانهار ليس المشكلة ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الثقافة التي تعالج بها الشعوب مثل هذه القضايا الحيوية ففي اوائل ثمانينيات القرن الماضي شاهدت الضجة الكبري التي اجتاحت المانيا بسبب تلوث مياه نهر الراين.. واحاديث الالمان بنبرات يغمرها الحزن ونشر بعد القراء اسم »الراين« في صفحة الوفيات وقالوا في نص النعي »بعد حياة مشحونة بالمياه والحيوية المتدفقة مات نهر الراين وهو يبلغ من العمر 50 مليون سنة بسبب اهمال اقاربه العاملين في مصانع الكيماويات والادوية وستقام ليالي المأتم في قاع الفقيد«!. وكان سبب الضجة ان حريقا شب في مصنع »ساندوز« للكيماويات بمدينة »بازل« السويسرية المطلة علي النهر وقاموا باطفاء الحريق وتركوا مياه الاطفاء المحملة بمادة الزئبق السامة تنساب من البالوعات الي الراين تطبيقا لايدلوجية »التصريف في البحر« مما ادي لمصرع الاف الاطنان من ثعابين السمك التي تعيش في القاع لان الزئبق لا يعوم.. أيامها عقدت وسط الضجة سلسلة من الاجتماعات العاجلة للدول المطلة علي نهر الراين وصدرت سلسلة من القوانين الصاركة واتفقوا علي الخطط المحكمة لتطهيره.. الخ علاوة علي المناقشات الساخنة التي جرت في البرلمان الالماني وادت الي المزيد من التوعية بقضية حماية الانهار من التلوث. قضية تلوث نهر النيل.. قضية كبري يزيد من خطورتها مواجهتها بأساليب »الهمبكة« والطناش.. والطناش كما نعلم ليس يجدي!