حمدى الكنىسى استوقفني بحث أجري في بريطانيا حول »النمل« حيث أكد هذا البحث العلمي جداً أن أسراب النمل عندما تواجه صعاباً أثناء سيرها علي أرض »غير مستوية«، يعمد بعض النمل الي التمدد داخل النقاط غير المستوية ليصنعوا مساراً أكثر انسيابية وأمناً لباقي سرب النمل!! وقد كان من الطبيعي والمنطقي أن أنظر حولي وأنا أقرأ نتائج ومغزي ذلك البحث لأتمعن في أحوالنا التي تجسد - للاسف - ارتباك مسيرتنا، وتخبط مواقفنا، وعجزنا عن تمهيد الطريق نحو الاستقرار والتنمية وتحقيق اهداف الثورة، مما جعل الكثيرين يتساءلون: »مصر رايحة علي فين؟!« وإلي متي تظل مصرنا الغالية عُرضة للتمزق بين المواقف المتناقضة والتصريحات المتضاربة والفتاوي المتناطحة بعد أن تملكتنا الأغراض والأهواء وتفرقنا شيعاً وأحزابا وتكتلات، ليسعي كل فريق ويستميت في أن يفرض رأيه وتكون له الغلبة، دون أي استعداد للتنازل عن الهدف الشخصي والحزبي من أجل التوصل الي كلمة سواء، استرشاداً واستلهاماً للدرس البليغ الذي يلقنه النمل لنا، والأمثلة علي غياب التوجه الموحد نحو الانطلاقة المنشودة لمصر الثورة، تكاد تفوق الحصر، مثال ذلك ما تشهده الساحة من خلافات وصراعات حول مسودات الدستور والموقف من الجمعية المكلفة بصياغته، وما يتسرب من معلومات صادمة حول نظام الحكم، والموقف من المرأة، وغيرها من القضايا التي لا بديل عن أن تكون محل توافق كل القوي والاطياف، وتمتد الخلافات الصاخبة إلي الموقف من حرية الابداع، وتطبيق »مبادئ« أو »أحكام« الشريعة، وما جري من اختلافات مستمرة حول بقاء النائب العام أو إقالته!! وهكذا تشتعل المليونيات التي كادت تفقد زخمها وقيمتها لما تحمله من رؤي وشعارات متناقضة ومتضاربة!! تجسد كلها عدم الاستعداد لتجاوز الاغراض وما توحي به الانتماءات، ويا أيها النمل عفوا فمازلنا عاجزين عن استيعاب حكمتك - التي جعلتك بالرغم من صغر وضآلة حجمك - أقوي منا وأكثر فهماً لمتطلبات السير علي طريق مستوية تقود الي تحقيق الأهداف والطموحات!! هذه الحماقة الإعلامية!! سائق دفع حياته ثمناً لشهامته عندما حاول مساعدة شاب خطفه ملثمون بعد سرقة سيارته، وعندما حاول هذا السائق مطاردة سيارة المجرمين، اطلقوا عليه النار ومات نتيجة شهامته!! مثل هذا الخبر بصياغته الحمقاء، تكرر للأسف مع حالات اخري مشابهة، وكأن الصحيفة او القناة الفضائية تقول لأي إنسان يحاول مساعدة من يتعرض لأزمة أو موقف يهدد حياته: »احذر يا سيد فسوف تدفع ثمن شهامتك«. والمؤسف أن صياغة ذلك الخبر بتلك الطريقة تظهر في الأخبار والحوادث التي يمكن أن تحمل في ثناياها ما قد يشعل الفتنة الطائفية، والخلاصة - يا حضرات - أن الإعلام يحتاج بشدة الي إعادة النظر، في مستوي أدائه المتردي!!