محمد فهمى هل أتاك حديث.. »صباح«.. تلك المرأة من عقلاء حزب الحرية والعدالة.. التي عقدت العزم علي الترشح لرئاسة الحزب.. لتجاذب الرجال سياسة الأمة وتكون وحي »إلهام« في طريق الإبداع.. فقلبت الدنيا رأسا علي عقب.. وأشعلت حرب الكلام؟! والقضية ببساطة أن تلك هي المرأة الأولي في تاريخ الحزب الذي تخرج فيه المرأة من بين صفوف الرجال لتعلن علي الملأ أنها قررت الترشح لرئاسة الحزب.. وكان من الطبيعي أن يثير هذا الإعلان ضجة.. لأنه جاء في وقت يتجه فيه المزاج العام.. لإحداث أكبر قدر من الضجيج.. والأصوات المعارضة.. والهتافات الجامحة.. وابتداع المعامع.. التي تبرر إضاعة الوقت فيما لا يفيد. فقد هدأت الضجة التي أثارها الهجوم علي الفنانة إلهام شاهين.. وبات من المناسب.. من وجهة نظر البعض.. إثارة قضية ما.. تلعب فيها امرأة ما دور البطولة.. كي يبقي الحديث عن النساء موصولاً.. فما كادت صباح السقاري تعلن النبأ المثير حول عزمها الترشيح لرئاسة الحزب.. حتي أعلن أحد أعضاء الهيئة العليا لحزب النور أن ترشح امرأة يخالف المنظور الشرعي للإسلام.. وأن الإسلام يحرم ذلك.. فيما قالت صباح إن هناك آراء تجيز تولي المرأة الولاية.. وقال آخر إن المرأة أضعف من أن تتولي رئاسة حزب سياسي.. وقال المنظر التشريعي لتنظيم الجهاد إن المرأة من المنظور الشرعي لا تصلح لهذا المنصب.. وأن الأصل أن تكون في خدمة المنزل! وفي ضوء هذا الكلام وغيره خرجت العديد من الشخصيات النسائية البارزة تتقدمها بالطبع ميرفت التلاوي التي وصفت الآراء المعادية للمرأة بأنها متاجرة بالدين.. وقالت صحفية لامعة إن رفض قبول امرأة للترشيح لرئاسة حزب سياسي هو عودة للقرن الرابع الهجري. واستمر الجدل واحتدام النقاش.. وسارعت الفضائيات باقتحام الساحة واستضافة أصحاب الآراء المتباينة.. ودخلنا في المعمعة.. وإضاعة الوقت في جدل عقيم يضاف إلي العديد من نيران الجدل المشتعلة في كل موقع.. فالكل يتكلم.. والكل يتحمس.. والكل يتطرف في الدفاع عن وجهة نظره.. ونحن نتأخر.. والعالم من حولنا يتغير ويتقدم أما نحن.. فقد بقينا علي ما نحن فيه.. نتكلم كثيراً.. ونعمل قليلاً! لا أحد يعمل.. ولا أحد يسعي.. أو يكف ساعة واحدة عن الجدل العقيم.. ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن تخرج علينا وسائل الإعلام بقضية جديدة.. تثير الجدل وتمزق الأمة.. وترفع الضغط، لذرية الشيخ آدم وزوجته حواء. ومنذ اندلاع الحالة الثورية في 52 يناير 1102.. ونحن علي هذا الحال.. من الجدل.. ونتقلب من قضية لقضية.. وما كادت قضية إلهام شاهين تتواري حتي ظهرت قضية صباح السقاري.. وهلمجرا. واللافت للانتباه.. أن معارضة ترشيح صباح السقاري جاءت في أغلبها.. من خارج أسوار حزب الحرية والعدالة لسبب بسيط هو أن هذا الحزب يضم قسماً ل»الأخوات« وهو من أقدم أقسام الحزب منذ أيام حسن البنا.. وكانت ترأسه كاميليا حلمي زوجة محمد حبيب القيادي الإخواني المعروف.. وبالتالي فلم يكن من المقبول.. تنظيمياً.. ولا من المعقول في ظل الظروف السياسية الراهنة أن تصدر المعارضة لصباح من داخل الحزب الذي يسعي لاكتساب أرضية شعبية واسعة تمكنه من الاستمرار في قيادة البلاد لعقود طويلة قادمة. ولكن المشكلة هنا تكمن في الثقافة السائدة هذه الأيام.. والتي تحولت بمرور الوقت لأخطر أمراضنا الاجتماعية.. والتي تتلخص في الجدل.. ومحاولة إثارة قضايا.. لم تعد محل نقاش علي وجه الكرة الأرضية.. وكأننا نحاول اختراع العجلة من جديد. فقضايا المرأة علي سبيل المثال.. لم تعد محل جدل.. في عالمنا المعاصر.. وأثبتت تجارب الأمم التي حققت الوثبات الاقتصادية الهائلة.. أن المرأة كانت العنصر المؤثر في تحقيق الإنجازات الكبري.. ناهيكم عن مساهمتها الكبري في المحافظة علي القوة المجتمعية للأمم.. والمحافظة علي العادات والتقاليد والقيم.. وكانت من سنن اليونانيين القدماء أن يقف الرجل خاشعاً حاسر الرأس، إذا مرت به سيدة حامل ويقف أمامها وقفة هيبة وخشوع.. لجلال الموقف.. موقف الحمل! وفي تاريخنا القديم.. عرفنا بلقيس ملكة اليمن.. وزينب ملكة تدمر.. الخ.. أعود لمشكلة الجدل العقيم التي نواجهها هذه الأيام.. فأقول إن بعض الجهات الإسلامية.. لا تعترف بترشيح صباح فحسب.. وإنما هي لا تعترف برئاسة الرئيس الدكتور مرسي ومن الأمثلة الصارخة علي ذلك.. ما أعلنه محمد الظواهري.. زعيم السلفية الجهادية شقيق أيمن الظواهري.. زعيم تنظيم القاعدة الذي أعلن عدم اعترافه بالرئيس مرسي.. كولي شرعي للمسلمين.. إذا لم يقدم نفسه وفقاً لتلك الصفة»!!« وقال الظواهري إن مرسي بالنسبة له مجرد رئيس مدني.. وليس شرعياً.. وأن منصبه كرئيس للجمهورية لا يعطيه الولاية الدينية! شيء عجيب.. وجدل عقيم.. لا يتوقف.. والأحوال كلها راكدة وعجلة الإنتاج في حاجة لمن يدفعها لإنقاذ أولادنا من الضياع.. ولكنها لا تجد الأيدي التي تدفعها لانشغال الجميع بالجدل.. والتلويح بالأصابع! نحن للأسف نعيش في زمن.. الكلام!