لم أجد خيراً ولا أدق من هذا العنوان اقتبسه تعبيرا عن واقعنا الذي نعيشه هذه الأيام. "التقصير " هو عنوان لكتاب شهير شارك في وضعه سبعة من المسؤولين والمحللين الإسرائيليين، سجلوا فيه شهادتهم عن الهزيمة المنكرة التي لحقت بالعدو الصهيوني في حرب 1973 المجيدة. رصدوا فيه الفشل في قراءة المعطيات، والإخفاق في تقدير الموقف علي الجبهة، وإنكار المعلومات الاستخبارية التي وصلتهم مبكراً بما أدي لتلك الهزيمة. اليوم ونحن نحيي الذكري التاسعة والثلاثين لنصر رمضان نتلقي طعنة في سؤدد القلب ونحتسب شهداءنا في العملية الغادرة التي وقعت في رفح، طعنة في نفس الشهرالحرام، وجنودنا البواسل صيام قضوا نحبهم لحظة الإفطار وماتزال حبات التمر في أفواههم. " التقصير" يبدو انه عنوان الحقبة التي نعيشها منذ سنوات وشعارها الذي ينطبق علي كل مناحي حياتنا. وان كنت لاأظن أن لهذا التقصير مايبرره الآن في مصر الجديدة، حتي لو كان له مايعلله قبل ثورة يناير لدي الضمير الجمعي المصري من تهاون النظام السابق الذي أدي الي كثير من الخسائروحتي لو تحمله الشعب من قبل علي مضض. مع ذلك لابد ان نعترف انه حتي في أحلك أيام النظام البائد وأشدها بطشاً في الداخل وأقصاها تهاوناً مع المصالح المصرية الصميمة لم نشهد مثل بشاعة الجريمة التي وقعت لجنودنا حماة الوطن هذا الأسبوع. مع مثل هذه النوائب التي تمس أمن الوطن وتخدش سيادة الدولة المصرية وسلامة أراضيها، في أوقات جرح الكرامة الوطنية، تفرض نفسها علينا لحظات الصدق ومحاسبة النفس والاعتراف بالخطأ.. لحظات من مكاشفة النفس وعدم دفن الرؤوس في الرمال، قبل أن يطيش صوابنا ونلقي بالاتهامات في كل اتجاه علينا ان نحدد مسؤوليتنا عن المصيبة التي نزلت بنا. إن أي استعراض محايد وجاد لملابسات الجريمة الخسيسة التي تعرض لها شهداؤنا ومصابينا يؤكد أننا ساعدنا المجرمين وسلمناهم الخنجر الذي شهروه في جوهنا وطعنونا به. استرخاء .. أم تراخ؟ لقد استوقفتني كثيراً حالة الاسترخاء العسكري المنتشرة علي الحدود المصرية، والاطمئنان غير المبرر في نقطة من أسخن وأخطر حواف الوطن. علي الرغم من ان تحذيرات عدة صدرت من الجانب الآخر باحتمال قوي لوقوع هجمات ارهابية في سيناء كانت موضع اهتمام في الصحف المصرية والإسرائيلية. تحذيرات علنية أدت بالجانب الآخر الي سحب سائحيه من بلادنا. وعلي الرغم أيضاً من ان منطقة الماسورة التي وقع الحادث بالقرب منها تعرضت قبل أقل من اسبوع لحادث إرهابي آخر. وعلي الرغم من المعلومات المؤكدة بأن سيناء تحولت الي حضن دافئ للجماعات الجهادية التي تنتقل بكثير من الحرية بين الجانبين المصري والفلسطيني، وعلي مدي العام الأخير وقع مايقرب من خمسة عشر حادث اعتداء وتفجير لخط غاز العريش دون القاء القبض علي عنصر واحد من تلك العناصر التخريبية. وعلي الرغم من ان ابجديات الحذر القتالي التي علمنا إياها القرآن الكريم تقول بضرورة تقسيم القوات عند القتال. يقول تعالي:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا"»النساء:71« ويقول تعالي:"وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَي لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً...." الي آخر الآية (102) ما معني إذاً ان يترك جنودنا سلاحهم جميعا لإعداد طعام الإفطار والتحلق في دائرة لتناوله معاً سوي انهم لم يتلقوا أي اوامر بالاستنفار؟ فراغ أمني حقائق أخري معروفة لدي القاصي والداني هي ان حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية تحولت الي مصدر خطر مبكر وأذكر انني نشرت مقالاً بالأخبار في الثاني من مارس عام 2011 بعنوان " عبث الأصدقاء علي حدود مصر" نبهت فيه الي الخطر القادم من مناطق الجوار الساخنة سواء أثناء ارهاصات الثورة الليبية او اليمنية أوبالتزامن مع انشطار السودان. بمرور الوقت بات واضحاً ان حدودنا أصبحت مستباحة وانقلبت الي مرتع لمهربي السلاح والمخدرات. لقد تحولت تلك الحدود الي منابع لإغراق البلاد بالسلاح المهرب القادم من كل من ليبيا والسودان، استخدم بعضه في مصرأثناء حالة الانفلات الأمني إبان ثورة يناير وكان له دور معروف في حوادث اقتحام السجون وتهريب المحتجزين، في ظل فراغ أمني تام، وتوجه بعضه الآخر الي غزة لمعاونة الأشقاء من حماس في مقاومة الاحتلال. يستوقفني كذلك ما نقلته صحيفة اليوم السابع علي لسان اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة تعليقاً علي الحادث الأليم حين أكد ان جهاز المخابرات كان يملك معلومات استباقية عن الجريمة وانه نقلها للجهات التنفيذية مع تأكيده بأن الجهاز مجرد أداة لجمع المعلومات وليس صاحب قرار!! هل ينذرنا هذا التصريح بأننا إزاء عملية تنصل من المسؤولية و تقاطع بين أجهزتنا الأمنية ؟ لو صح هذا تكون كارثة محققة، أبدلا من تضافر كل الجهود وتكامل عمل مؤسساتنا العسكرية والأمنية حفاظاً علي أمن الوطن في هذه المرحلة الدقيقة نكتشف ان كلاً منها يعمل في إطار محدد؟ وأن تلك المؤسسات الساهرة علي حماية البلاد تحولت الي جزر منعزلة، تغسل يديها من المهمة المنوطة بها بعد الفراغ منها. هل نخر السوس في المفاصل الأمنية للدولة؟ اجندات متباينة لابد ان نقف طويلاً أمام التصريحات والمواقف الرئاسية في الفترة الأخيرة ونتأملها كثيراً . بدءاً من مزحته في البرنامج الإذاعي عن انقطاع الكهرباء فكان رده : "ان الشعب مركب مكيفات كتير والاستهلاك مرتفع ومالها المروحة والقلة؟"! ههههه ... حسنا،مداعبة مقبولة من السيد الرئيس، لكن الجزء الأهم والجاد حين استطرد قائلاً:" عاوزين نوفر كهربا علشان نساعد اخواننا في غزة"! أحقا أمر الرئيس بقطع الكهرباء عن أبناء شعبه في مصرليساعد اخوانه في غزة؟ لا مانع بالطبع من معاونة الأشقاء الفلسطينيين، فالمؤازرة المصرية للقضية الفلسطينية موقف مبدئي ثابت لم يكن أبداً محل شك او مزايدة علي طول العلاقة المصرية الفلسطينية . وقفتنا هنا أمام اختلاف الأولويات ، وأمام اختلاف مفهوم الأمن القومي والمصلحة المصرية البحتة لدي الرئيس عما هو متعارف عليه لدي بقية الشعب. واختلاط مفهوم الحاكم لمسؤوليته عن اقليمه بمفهومه عن التزامه كعضو في تنظيم دعوي عالمي. حين تتماهي حدود المسؤوليات تضيع حقوق كثيرة، والمثل المصري يقول " اللي يعوزه بيتك يحرم علي الجامع". بل ان التذكير هنا يبدو ضرورياً بمواقف الإخوة في غزة الذين سمحوا وارتضوا علي انفسهم تهريب السيارات المسروقة من المصريين واستعمالها هناك، ولن أزيد حتي لا يفسر كلامي بأنه تحريض، واكتفي بما سبق ان كتبته في يوميات سابقة عنه. ولننتقل الي أمر العفو الرئاسي عن الهاربين المطلوبين او المحبوسين المتورطين في قضايا ارهاب وتخريب للمصالح المصرية دون مراجعة موقفهم الأمني والقانوني مع السلطات المختصة، ولو من باب ذر الرماد في العيون. وكأن الثأر البايت مع النظام السابق هو الذي يحكم تصرفات الرئيس قبل الأداء الموضوعي المسؤول. وفي ذات السياق لابد ان نتوقف أيضاً امام تضارب التصريحات حول مسألة تدمير الأنفاق في سيناء ثم نفيها من جانب مؤسسة الرئاسة، سؤالي مع كثيرين من أبناء هذا الوطن ما هو الموقف الواضح للرئيس مرسي من مسألة الأنفاق؟ هل نغلق معبر رفح الرسمي محدد الوظيفة لنترك نزيف التهريب تحت الأرض عبر الأنفاق؟ برقية للرئيس قبل لقائك المرتقب مع حاكم دبي يهيب بك الآلالف من المصريين العاملين هناك النظر بعين الرعاية والاعتبار لمصالحهم وحقوقهم المهدرة هناك. رجاء عجّل بمخاطبة الخارجية المصرية واحصل منها علي تقارير تفصيلية بالموقف الحقيقي لشكاوي المواطنين المصريين هناك، وليكن هذا الملف ضمن اولويات مناقشاتك مع الزائر الجليل. لديّ شكاوي عديدة ومظالم لأبناء الوطن لايسعفني الوقت ولا المساحة لطرحها هذه المرة. الصحافة بين التأميم .. والتكميم نحن علي أبواب مذبحة جديدة للصحافة القومية،تستحضر الي الأذهان فترة تأميم الصحافة الخاصة التي أنشأها رواد مثل الأخوين مصطفي وعلي أمين الأخوين بشارة وسليم تقلا والسيدة روزاليوسف وجورجي زيدان. بعد ثورة يوليو وتأميم الصحافة كانت انتقال ملكية تلك الصحف للدولة من أقسي المنعطفات التي مرت بها حرية التعبير في مصر. ربما كان المناخ السياسي العام مختلفاً يستدعي هذا التضييق، وعلي مدي العقود الستة الماضية تعرضت حرية التعبير في مصر لكثير من محاولات تكميم الأفواه. لعل اشهرها وأقربها الي الأذهان معركة القانون 93 الذي استنهض همم كل الصحفيين في مصر من مختلف المشارب والانتماءات السياسية ووقف أعضاء نقابة الصحفيين علي قلب رجل واحد حتي اجتازت الصحافة المصرية محنتها. ومن بعدها تعددت المعارك الصحفية والقانونية ضد التشريعات المقيدة للحريات وتغليظ العقوبات، وكانت ولاتزال المعركة الرئيسية حول استقلال الصحافة القومية وانقاذها من براثن مجلس الشوري الذي يبسط قبضته عليها ولانري له من مهام تشريعية حقيقية سوي التحكم في الصحافة وارتهانها لديه. بعد الثورة كان الأمل ان تؤدي الحالة الثورية ومطالب 25 يناير من حرية وعدالة اجتماعية الي تعديلات تشريعية تفرج عن أسر الصحافة القومية وتضمن حرية التعبير. لكن يبدو ان المعركة الراهنة من الضراوة بحيث تحتاج الي مشوار طويل ومجهد من النضال. فما نراه الآن ليس سوي إعادة انتاج لنفس مثالب النظام البائد، فالتطهير المعمول عليه الآن تطهير عرقي بمنطق من ليس معنا فهو ضدنا. أقصي درجات ذكاء صاحب رأس المال (الذي يمثله مجلس الشوري) تكمن في قدرته علي اختيارمن يجيد إدارة ممتلكاته وينجح في تسويقها وتطويرها ومضاعفة أرباحها وفي تمسكه به والإبقاء عليه لا الإطاحة به، وإلا يصبح مالكا فاقداً للأهلية غير مدرك لمصلحته كالوريث المدلل الذي يهدر ميراثه القيم فيجوز الحجر عليه، أو بالتعبير الشعبي (هبلة ومسكوها طبلة). المشكلة ان العبث الجاري الآن بمصائر الصحف القومية وأصولها وثرواتها الفكرية والبشرية والعقارية لن يتأثر بتبعاته ويتضرر منه سوي ابناء هذه القلاع الصحفية الذين أفنوا عمرهم فيها، وسواء بقي الشوري أو غاب فلن يشعر بفداحة الكارثة التي تسبب فيها فلا محاسبة ولا عقاب . أما مبعث الألم فهو ان كل تلك المؤامرة تمر تحت مظلة قامات صحفية مهيبة،لطالما حملنا لها تقديراً كبيراً لكنها خذلت جموع الصحفيين بقناعة واهية مظهرها خدمة مصالح الصحفيين بينما هي لا تخدم في الواقع سوي مصلحة حاكم مستبد تحت دعوي الإصلاح و في حقيقة الأمر لا تفعل سوي المساهمة في زيادة اعوجاج الموقف وكلٌ يغني علي ليلاه.