أخيراً.. سوف يكون باستطاعة العلماء التحليق في عالم المخ البشري! قبل نحو عام، كشف فريق علمي عن اقترابه من تحقيق حلم قديم/متجدد، لتطوير نموذج كمبيوتري لمخ الإنسان، يمنحهم فرصة الغوص الكامل في هذا العالم المثير الذي طالما ألهب خيالهم، برغم ابتكار العديد من أنواع الاشعات التي رسمت صورة دقيقة- بعضها متعدد الابعاد- لمعظم أجزاء المخ، لكنها لم تتح الفرصة الكاملة لمتابعة آليات عمله، ومراقبة وظائفه، ومن ثم دراسة كل مكوناته من خلايا وجزيئات- عن كثب، ودون انقطاع- وبالتالي التمكن من التعرف بدقة تامة علي طبيعة تأثير الأمراض العصبية علي المخ، تمهيدا لعلاجها بصورة ناجعة. الآن، الحلم يتحقق، وأصبح أمام العلماء مخ افتراضي، يحتضنه كمبيوتر عملاق، يحاكي المخ البشري بكل تعقيداته، بما يحتويه من مليارات الخلايا العصبية المترابطة، والتي كانت حتي قبل بناء هذا المخ تمثل صعوبة يستحيل أمامها إمكانية فهم العلماء بشكل حقيقي للكيفية التي يعمل بها. أروع ما يمنحه هذا الابتكار الاستثنائي للفريق العلمي، الذي يعمل عليه انه يمكنه ليس من محاكاة المخ- فحسب- ولكنه سوف يسهل علي أفراده القياس والتحكم في أي من جوانب عمل المخ وآلياته وتفاعلاته. مائة مليار خلية عصبية أو دنيورون في المخ، يتصل كل منها بآلاف الخلايا العصبية الأخري، لتشكل في المحصلة النهائية نحو 051 تريليون وصلة، هذا الكم الخرافي من الخلايا والوصلات، كان يمثل ألغازا من المستحيل الاقتراب منها، ناهيك عن اختراقها، لكن في ظل نجاح العلماء في بناء المخ الافتراضي، فان فك ألغاز الوصلات والقدرة علي رسمها، وبالتالي معرفة كيفية تدفق المعلومات عبر دوائر المخ، فإن أمل العلماء في فهم كيفية تولد الأفكار، وآليات الفهم وجميع العمليات المعقدة التي يقوم بها المخ، أصبح الاحاطة بها جميعا مسألة وقت. إلا أن الأهم من انجاز هذا الحلم، يتمثل في السيطرة علي العديد من الأمراض التي حار أمامها العلم، ووقف الأطباء عاجزين عن علاجها، وحماية الإنسان من افتراس أخطر أعضائه: المخ. النجاح في المحاكاة الكاملة لمخ الإنسان من شأنه أن يفتح آفاقا غير مسبوقة لحماية المخ البشري من أمراض خطيرة بداية بالاكتئاب مرورا بانفصام الشخصية وصولا إلي الزهايمر. وعندما نشير إلي ان الذكاء البشري أصبح علي المحك، فإن ذلك يعني أمرين؛ الأول يرتبط بالتحديات الواجب علي الفريق العلمي التصدي لها وتذليلها، عبر فهم جديد ومختلف عن كل ما سبق لآليات عمل الدوائر العصبية في المخ، أما الأمر الثاني فيتمثل في معرفة ما إذا كان الكمبيوتر العملاق الذي يحاكي المخ البشري قادرا علي انتاج شكل جديد من الذكاء، علي غرار الذكاء البشري، يكون بمثابة تحد جديد للإنسان، عبر مباراة بين الإنسان وصنيعته، ربما تقود إلي مزيد من التحفيز لقدراته ومن ثم رفع معدلات ذكائه، مما يمهد لمرحلة جديدة من مراحل الارتقاء الإنساني، إلا أن الخوف من تقهقر الإنسان أمام صنيعته يظل فرضا قائما، علي الأقل نظريا!