" شيء لزوم الشيء" وفقا لهذه المعادلة يسلك صناع الانقلاب العسكري في مصر 2013، بعد أن ودعت أكثر دول إفريقيا فقرا وبؤسا زمن الانقلابات العسكرية منذ عقود. وكان التطبيق الأول لهذه المعادلة في حادث استهداف مجموعة من الجهاديين في منطقة العجرة بسيناء الأسبوع الماضي، وهي العملية التي أكدت غالبية المصادر المستقلة ووكالات الأنباء العالمية المحايدة أنها نفذت بواسطة طائرة إسرائيلية بدون طيار انتهكت الأجواء المصرية، ثم أعلن المتحدث العسكري المصري بعدها أن انفجارا حدث بالمنطقة وجاري التمشيط لمعرفة أسبابه، ثم بعد مرور أربع وعشرين ساعة أعلن المتحدث ذاته أن العملية نفذها الجيش المصري بواسطة أباتشي مصرية.. وللتغطية على هذا التناقض والارتباك والتلعثم وكل مفردات التخبط قرروا أن يخوضوا أكثر في هذه البحيرة من خلال الإعلان عن عمليات لاحقة للجيش المصري في منطقة التومة للتغطية على العملية الأولى وتثبيت رواية الأباتشي المصرية بدلا للطائرة بدون طيار الإسرائيلية. وعلى ضوء هذه القاعدة تجرى الوقائع في مصر للتعتيم على جريمة العصر التي نفذتها قوات الانقلاب ضد الشعب المصري فأسقطت آلاف (ليس هناك خطأ مطبعي) الشهداء وآلاف الجرحى، في واحدة من المجازر التي تتوارى أمامها مجازر كاراديتش وسيلاديتش ضد مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي خجلا، إذ تفتق ذهن مشغلي آلة الانقلاب الإعلامية والاستخبارية عن فكرة قديمة ومستهلكة بافتعال سلسلة من الحرائق في ربوع القطر المصري تستهدف منشآت وكنائس لصرف أنظار المصريين عن عد الجثث واحتساب كميات الدم المراق عن طريق أسلحة لم تستخدم ضد أعداء مصر في الخارج. إنه " الشيء لزوم الشيء " مرة أخرى للتغطية على العار الحضاري والأخلاقي الذي نشره الانقلابيون بطول مصر وعرضها، ويلفت النظر هنا فيما يخص سيناريو حرق الكنائس تصريحان متناقضان، الأول للجماعة الإسلامية في مصر حذرت فيه من استهداف دور العبادة المسيحية وطالبت أعضاءها بحماية الأقباط .. والثاني لسكرتير المجمع المقدس في الكنيسة المصرية الأنبا روفائيل في مداخلة مع إحدى فضائيات الانقلاب قال فيه نصا " إذا كان ثمن نجاة مصر من حكم الإخوان هو حرق الكنائس فسوف نتحمل" . وعقب هذا التصريح اتسع نطاق استهداف الكنائس، وأقسام الشرطة معا، في سيناريو مشابه تماما لما قامت به شرطة مبارك والعادلي بعد أحداث جمعة الغضب 28 يناير 2011 في ثورة مصر الشعبية الوحيدة. وفي ظل هذا الجنون الانقلابي الذي تفحمت معه الشخصية المصرية بحيث صارت غير قادرة على إدانة القتل والإرهاب المنظم الذي تمارسه دولة الانقلاب (إلا من عصم ربك من الفساد الأخلاقي والتحلل القيمي) من غير المستبعد أن تذيع وسائل الإعلام خبرا بعنوان "انتحار الرئيس المعزول في محبسه" ومن غير المستبعد أن يلفقوا له أسبابا للانتحار من نوعية الإحساس بالذنب لسقوط كل هؤلاء الضحايا بسببه. وقد سبق وأن أشرت إلى هذا السيناريو الشيطاني في مقال سابق بجريدة الشروق المصرية صبيحة جمعة التفويض بالقتل وقلت فيه " لو دققت جيدا ستكتشف أن الأثر الباقي من يناير كان ذلك الرئيس الذي جاء بالانتخاب الحر لأول مرة في تاريخ المصريين، ومن ثم كان لابد من إخفائه من الوجود، سياسيا، وربما أنطولوجيا أيضا فيما بعد حيث لا يستبعد أن نصحو قريبا على خبر عاجل من نوعية تلك التي تأتي في أيام الجُمع والعطلات الرسمية يقول «انتحار الرئيس المعزول في زنزانته» وشيء من هذا ليس مستحيلا بالنظر إلى أننا نعيش حالة من هستيريا العسكرة. إن الذي يقتل الآلاف من أنقى أبناء شعبه ثم يدس لهم السلاح فوق الجثث لن يتورع عن مزيد من السباحة في أوحال الكذب أكثر.